فِي مَالِ الْغَيْرِ حَرَامٌ فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ مُجَازَفَةً؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَهُ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الثَّوْبَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ «فَيَكُونُ لِصَاحِبِهِ الزِّيَادَةُ وَعَلَيْهِ النُّقْصَانُ» رَوَاهُ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ الْجَرْمِيُّ، حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَهُ طَرِيقَانِ أُخْرَيَانِ عَنْ أَنَسٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ ضَعِيفَانِ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ «أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَحَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ كَانَا يَبْتَاعَانِ التَّمْرَ وَيَجْعَلَانِهِ فِي غَرَائِرَ ثُمَّ يَبِيعَانِهِ بِذَلِكَ الْكَيْلِ، فَنَهَاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبِيعَاهُ حَتَّى يَكِيلَا لِمَنْ ابْتَاعَهُ مِنْهُمَا» فَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِكَثْرَةِ تَعَدُّدِ طُرُقِهِ وَقَبُولِ الْأَئِمَّةِ إيَّاهُ، فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ بِقَوْلِنَا هَذَا مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
وَحِينَ عَلَّلَهُ الْفُقَهَاءُ بِجَعْلِهِ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ إذْ بِالْكَيْلِ يَتَمَيَّزُ حَقُّهُ عَنْ حَقِّ الْبَائِعِ إذْ عَسَى أَنْ يَكُونَ أَنْقَصَ أَوْ أَزْيَدَ فَيَضِيعُ مَالُهُ عِنْدَ الْبَائِعِ أَوْ مَالُ الْبَائِعِ عِنْدَهُ فَأَلْحَقُوا بِمَنْعِ الْبَيْعِ مَنْعَ الْأَكْلِ قَبْلَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ، وَكُلَّ تَصَرُّفٍ يُبْنَى عَلَى الْمِلْكِ كَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا وَأَلْحَقُوا بِالْمَكِيلِ الْمَوْزُونَ، وَيَنْبَغِي إلْحَاقُ الْمَعْدُودِ الَّذِي لَا يَتَفَاوَتُ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ إذَا اُشْتُرِيَ مُعَادَّةً، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ فَأَفْسَدَ الْبَيْعَ قَبْلَ الْعَدِّ ثَانِيًا لِاتِّحَادِ الْجَامِعِ، وَهُوَ وُجُوبُ تَعَرُّفِ الْمِقْدَارِ وَزَوَالُ احْتِمَالِ اخْتِلَاطِ الْمَالَيْنِ، فَإِنَّ الزِّيَادَةَ فِيهِ لِلْبَائِعِ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْهُمَا مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ الثَّانِي قَبْلَ الْعَدِّ، وَلَمَّا كَانَ فِي الْمَذْرُوعَاتِ الزِّيَادَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِلْمُشْتَرِي لَمْ يُلْحِقُوهَا؛ فَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ جَازَ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ الذَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ زَادَ كَانَ لِلْمُشْتَرِي، وَلَوْ نَقَصَ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ، فَإِذَا بَاعَهُ بِلَا ذَرْعٍ كَانَ مُسْقِطًا خِيَارَهُ عَلَى تَقْدِيرِ النَّقْصِ وَلَهُ ذَلِكَ، وَلَمَّا كَانَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ اقْتَصَرَ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَكِيلُ أَوْ الْمَوْزُونُ مَبِيعًا، فَلَوْ كَانَ ثَمَنًا بِأَنْ اشْتَرَى بِهَذَا الْبُرِّ عَلَى أَنَّهُ كُرٌّ فَقَبَضَهُ جَازَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ قَبْلَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِهِ جَائِزٌ، فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ مَا هُوَ مِنْ تَمَامِ قَبْضِهِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ مِنْهُ بَيْعُ الطَّعَامِ إلَّا مُكَايَلَةً فَيَقْتَضِي مَنْعَ بَيْعِهِ مُجَازَفَةً، وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّ ظَاهِرَهُ مَتْرُوكٌ وَأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ مُكَايَلَةً.
أَمَّا إذَا اشْتَرَاهُ مُجَازَفَةً بِيعَ صُبْرَةً فَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ الْمُشَارِ إلَيْهِ لَهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ اخْتِلَاطُ الْمِلْكَيْنِ، وَقَوْلُ الْمُصَنَّفِ فِيهِ (لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَهُ) قِيلَ: مَعْنَاهُ: الزِّيَادَةُ عَلَى مَا كَانَ يَظُنُّهُ بِأَنْ ابْتَاعَ صُبْرَةً عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا عَشَرَةٌ فَظَهَرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَتَكَلَّفَ