(وَلَا يَبْدَأُ بِقِتَالٍ حَتَّى يَبْدَءُوهُ، فَإِنْ بَدَءُوهُ قَاتَلَهُمْ حَتَّى يُفَرِّقَ جَمْعَهُمْ) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّ عِنْدَنَا يَجُوزُ أَنْ يَبْدَأَ بِقِتَالِهِمْ إذَا تَعَسْكَرُوا وَاجْتَمَعُوا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ حَتَّى يَبْدَءُوا بِالْقِتَالِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُ الْمُسْلِمِ إلَّا دَفْعًا وَهُمْ مُسْلِمُونَ، بِخِلَافِ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْكُفْرِ مُبِيحٌ عِنْدَهُ. وَلَنَا أَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى الدَّلِيلِ وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ وَالِامْتِنَاعُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْتَظَرَ الْإِمَامُ حَقِيقَةَ قِتَالِهِمْ رُبَّمَا لَا يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ فَيُدَارُ عَلَى الدَّلِيلِ ضَرُورَةَ دَفْعِ شَرِّهِمْ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQلَئِنْ فَعَلْتُمْ لَقَدْ كَفَرْتُمْ. فَإِنْ قُلْتُمْ لَيْسَتْ أُمَّنَا فَقَدْ كَفَرْتُمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6] فَأَنْتُمْ بَيْنَ ضَلَالَتَيْنِ، فَأَتَوْا مِنْهَا بِمَخْرَجٍ، أَخْرَجْت مِنْ هَذِهِ الْأُخْرَى؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قُلْت: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ إنَّهُ مَحَا نَفْسَهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ «فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا قُرَيْشًا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ كِتَابًا فَقَالَ: اُكْتُبْ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالُوا: وَاَللَّهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّك رَسُولُ اللَّهِ مَا صَدَدْنَاك عَنْ الْبَيْتِ وَلَا قَاتَلْنَاك، وَلَكِنْ اُكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ إنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ وَإِنْ كَذَبْتُمُونِي، يَا عَلِيُّ اُكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ» فَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ وَقَدْ مَحَا نَفْسَهُ وَلَمْ يَكُنْ مَحْوُهُ ذَلِكَ مَحْوًا مِنْ النُّبُوَّةِ، أَخْرَجْت مِنْ هَذِهِ الْأُخْرَى؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَلْفَانِ وَبَقِيَ سَائِرُهُمْ فَقُتِلُوا عَلَى ضَلَالَتِهِمْ قَتَلَهُمْ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ.
وَرَوَى الْحَاكِمُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادٍ اسْتَحْكَتْهُ عَائِشَةُ عَنْ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ عَلِيٌّ فَقَالَ: لَمَّا كَانَتْ حَرْبُ مُعَاوِيَةَ وَحَكَّمَ الْحَكَمَيْنِ خَرَجَ عَلَيْهِ ثَمَانِيَةُ آلَافٍ مِنْ قُرَّاءِ النَّاسِ فَنَزَلُوا بِأَرْضٍ يُقَالُ لَهَا حَرُورَاءَ مِنْ جَانِبِ الْكُوفَةِ، إلَى أَنْ قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ إلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ فَخَرَجْت مَعَهُ، حَتَّى إذَا تَوَسَّطْنَا عَسْكَرَهُمْ قَامَ ابْنُ الْكَوَّاءِ خَطِيبًا فَقَالَ: يَا حَمَلَةَ الْقُرْآنِ هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ فَأَنَا أَعْرِفُهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَا يَعْرِفُهُ بِهِ، هَذَا مِمَّنْ نَزَلَ فِيهِ وَفِي قَوْمِهِ {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58] فَرُدُّوهُ إلَى صَاحِبِهِ وَلَا تُوَاضِعُوهُ كِتَابَ اللَّهِ، فَقَامَ خُطَبَاؤُهُمْ وَقَالُوا وَاَللَّهِ لَنُوَاضِعَنَّهُ، فَوَاضَعَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ الْكِتَابَ وَوَاضَعُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ فِيهِمْ ابْنُ الْكَوَّاءِ حَتَّى أَدْخَلَهُمْ الْكُوفَةَ عَلَى عَلِيٍّ إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ. وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَبْدَأُ بِقِتَالٍ حَتَّى يَبْدَءُوهُ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ) وَهُوَ عَيْنُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تُقَاتِلُونَا (وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّ عِنْدَنَا يَجُوزُ أَنْ نَبْدَأَ بِقِتَالِهِمْ إذَا تَعَسْكَرُوا وَاجْتَمَعُوا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ حَتَّى يَبْدَءُوا حَقِيقَةً) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ (لِأَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ لَا يَجُوزُ إلَّا دَفْعًا وَهُمْ) أَيْ الْبُغَاةُ (مُسْلِمُونَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] ثُمَّ قَالَ {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] (وَنَحْنُ أَدَرْنَا الْحُكْمَ وَهُوَ حِلُّ الْقِتَالِ عَلَى دَلِيلِ قِتَالِهِمْ وَ) ذَلِكَ (هُوَ الِاجْتِمَاعُ) عَلَى قَصْدِ الْقِتَالِ (وَالِامْتِنَاعُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْتَظَرَ حَقِيقَةَ قِتَالِهِمْ رُبَّمَا لَا يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ) لِتَقْوَى شَوْكَتُهُمْ وَتَكْثُرَ جَمْعُهُمْ خُصُوصًا وَالْفِتْنَةُ يُسْرِعُ إلَيْهَا أَهْلُ الْفَسَادِ وَهُمْ الْأَكْثَرُ، وَالْكُفْرُ مَا أَبَاحَ الْقِتَالَ إلَّا لِلْحِرَابَةِ وَالْبُغَاةُ كَذَلِكَ، وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَطَاقَ الدَّفْعَ أَنْ يُقَاتِلَ مَعَ الْإِمَامِ إلَّا إنْ أَبْدَوْا مَا يَجُوزُ لَهُمْ الْقِتَالُ كَأَنْ ظَلَمَهُمْ أَوْ ظَلَمَ غَيْرَهُمْ ظُلْمًا لَا شُبْهَةَ فِيهِ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يُعِينُوهُمْ حَتَّى يُنْصِفَهُمْ وَيَرْجِعَ عَنْ جَوْرِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْحَالُ مُشْتَبَهًا أَنَّهُ ظُلْمٌ مِثْلُ