(وَإِذَا تَغَلَّبَ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى بَلَدٍ وَخَرَجُوا مِنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ دَعَاهُمْ إلَى الْعَوْدِ إلَى الْجَمَاعَةِ وَكَشَفَ عَنْ شُبْهَتِهِمْ) ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا فَعَلَ كَذَلِكَ بِأَهْلِ حَرُورَاءَ قَبْلَ قِتَالِهِمْ، وَلِأَنَّهُ أَهْوَنُ الْأَمْرَيْنِ. وَلَعَلَّ الشَّرَّ يَنْدَفِعُ بِهِ فَيُبْدَأُ بِهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَمْ يَسْتَبِيحُوا مَا اسْتَبَاحَهُ الْخَوَارِجُ مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَسَبْيِ ذَرَارِيِّهِمْ وَهُمْ الْبُغَاةُ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا تَغَلَّبَ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى بَلَدٍ وَخَرَجُوا عَنْ طَاعَةِ إمَامٍ) النَّاسُ بِهِ فِي أَمَانٍ وَالطُّرُقَاتُ آمِنَةٌ (دَعَاهُمْ إلَى الْعَوْدِ إلَى الْجَمَاعَةِ وَكَشَفَ عَنْ شُبْهَتِهِمْ) الَّتِي أَوْجَبَتْ خُرُوجَهُمْ (لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَعَلَ ذَلِكَ بِأَهْلِ حَرُورَاءَ) قَبْلَ قِتَالِهِمْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ وَاجِبًا بَلْ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّهُمْ كَمَنْ بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ لَا تَجِبُ دَعْوَتُهُمْ ثَانِيًا وَتُسْتَحَبُّ. وَحَرُورَاءُ: اسْمُ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الْكُوفَةِ، وَفِيهِ الْمَدُّ وَالْقَصْرُ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لِمُعَاذَةَ أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ .
أَسْنَدَ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى فِي خَصَائِصِ عَلِيٍّ
إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالَ: لَمَّا خَرَجَتْ الْحَرُورِيَّةُ اعْتَزَلُوا فِي دَارٍ وَكَانُوا سِتَّةَ آلَافٍ. فَقُلْت لِعَلِيٍّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَبْرِدْ بِالصَّلَاةِ لَعَلِّي أُكَلِّمُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ، قَالَ: إنِّي أَخَافُهُمْ عَلَيْك. قُلْت كَلًّا. فَلَبِسْت ثِيَابِي وَمَضَيْت إلَيْهِمْ حَتَّى دَخَلْت عَلَيْهِمْ فِي دَارٍ وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ فِيهَا. فَقَالُوا: مَرْحَبًا بِك يَا ابْنَ عَبَّاسٍ مَا جَاءَ بِك؟ قُلْت: أَتَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، مِنْ عِنْدِ ابْنِ عَمِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصِهْرِهِ، وَعَلَيْهِمْ نَزَلَ الْقُرْآنُ وَهُمْ أَعْرَفُ بِتَأْوِيلِهِ مِنْكُمْ وَلَيْسَ فِيكُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، جِئْت لِأُبَلِّغَكُمْ مَا يَقُولُونَ وَأُبَلِّغَهُمْ مَا تَقُولُونَ. فَانْتَحَى لِي نَفَرٌ مِنْهُمْ، قُلْت: هَاتُوا مَا نَقَمْتُمْ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَابْنِ عَمِّهِ وَخَتَنِهِ وَأَوَّلِ مَنْ آمَنَ بِهِ، قَالُوا: ثَلَاثٌ. قُلْت: مَا هِيَ؟ قَالُوا: إحْدَاهُنَّ أَنَّهُ حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي دِينِ اللَّهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ} [يوسف: 40] قُلْت: هَذِهِ وَاحِدَةٌ. قَالُوا: وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَإِنَّهُ قَاتَلَ وَلَمْ يَسْبِ وَلَمْ يَغْنَمْ، فَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا فَقَدْ حَلَّتْ لَنَا نِسَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ، وَإِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ، قُلْت هَذِهِ أُخْرَى. قَالُوا: وَأَمَّا الثَّالِثَةُ: فَإِنَّهُ مَحَا نَفْسَهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ يَكُونُ أَمِيرَ الْكَافِرِينَ، قُلْت: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ غَيْرُ هَذَا؟ قَالُوا: حَسْبُنَا هَذَا، قُلْت لَهُمْ: أَرَأَيْتُمْ إنْ قَرَأْت عَلَيْكُمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَحَدَّثْتُكُمْ مِنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَرُدُّ قَوْلَكُمْ هَذَا تَرْجِعُونَ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قُلْت أَمَّا قَوْلُكُمْ إنَّهُ حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي دِينِ اللَّهِ فَأَنَا أَقْرَأُ عَلَيْكُمْ أَنْ قَدْ صَيَّرَ اللَّهُ حُكْمَهُ إلَى الرِّجَالِ فِي أَرْنَبٍ ثَمَنُهَا رُبُعُ دِرْهَمٍ، قَالَ تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] إلَى قَوْلِهِ {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] . وَقَالَ فِي الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35] أَنْشُدُكُمْ اللَّهَ أَحْكُمُ الرِّجَالِ فِي حَقْنِ دِمَائِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَإِصْلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ أَحَقُّ أَمْ فِي أَرْنَبٍ ثَمَنُهَا رُبُعُ دِرْهَمٍ؟ قَالُوا اللَّهُمَّ بَلْ فِي حَقْنِ دِمَائِهِمْ وَإِصْلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ، قُلْت: أَخْرَجْت مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قُلْت: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ إنَّهُ قَاتَلَ وَلَمْ يَسْبِ وَلَمْ يَغْنَمْ أَتَسْبُونَ أُمَّكُمْ عَائِشَةَ فَتَسْتَحِلُّونَ مِنْهَا مَا تَسْتَحِلُّونَ مِنْ غَيْرِهَا وَهِيَ أُمُّكُمْ؟