. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQمَحْضُ حَقِّ الْعَبْدِ، ثُمَّ إذَا بَرِئَ أَخْرَجَهُ فَحَدَّهُ لِلْقَذْفِ لِأَنَّهُ مَشُوبٌ بِحَقِّهِ، فَإِذَا بَرِئَ فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ بَدَأَ بِحَدِّ الزِّنَا وَإِنْ شَاءَ بِحَدِّ السَّرِقَةِ، لِأَنَّ كُلًّا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ ثَابِتٌ بِنَصٍّ يُتْلَى، وَيَجْعَلُ حَدَّ الشُّرْبِ آخِرَهَا فَإِنَّهُ أَضْعَفُ لِأَنَّهُ بِمَا لَا يُتْلَى، وَتَقَدَّمَ قَوْلُ عَلِيٍّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسُنَّهُ» وَكُلَّمَا أَقَامَ عَلَيْهِ حَدًّا حَبَسَهُ حَتَّى يَبْرَأَ لِأَنَّهُ لَوْ خَلَّى سَبِيلَهُ رُبَّمَا يَهْرَبُ فَيَصِيرُ الْإِمَامُ مُضَيِّعًا لِلْحُدُودِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُحْصَنًا اقْتَصَّ مِنْهُ فِي الْعَيْنِ وَضَرَبَهُ حَدَّ الْقَذْفِ ثُمَّ رَجَمَهُ، لِأَنَّ حَدَّ السَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَتَى اجْتَمَعَتْ الْحُدُودُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَفِيهَا قَتْلُ نَفْسٍ قُتِلَ وَتُرِكَ مَا سِوَى ذَلِكَ.
هَكَذَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَقْصُودَ الزَّجْرُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ، وَأَتَمُّ مَا يَكُونُ مِنْهُ بِاسْتِيفَاءِ النَّفْسِ وَالِاشْتِغَالِ بِمَا دُونَهُ لَا يُفِيدُ إلَّا أَنَّهُ يَضْمَنُ السَّرِقَةَ لَوْ أَتْلَفَهَا لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بِالْأَخْذِ، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ لِضَرُورَةِ الْقَطْعِ وَلَمْ يُوجَدْ فَلِهَذَا يَضْمَنُهُ فَيُؤْمَرُ بِإِيفَائِهَا مِنْ تَرِكَتِهِ، وَلَا يُقَامُ حَدٌّ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا قَوَدٌ وَلَا تَعْزِيرٌ، وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ إنْ أَرَادَ أَنْ يُقَامَ بِحَضْرَتِهِ يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ «كَمَا فَعَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْغَامِدِيَّةِ» ، أَوْ يَبْعَثُ أَمِينًا «كَمَا فَعَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي مَاعِزٍ» ، وَلَا يَسْتَحْلِفُ فِي الْقَذْفِ إذَا أَنْكَرَهُ.
وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ لِأَنَّهُ يَقْضِي بِالنُّكُولِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فِي الْحُدُودِ لِأَنَّ النُّكُولَ إمَّا بَذْلٌ وَالْبَذْلُ لَا يَكُونُ فِي الْحُدُودِ أَوْ قَائِمٌ مَقَامَ الْإِقْرَارِ، وَالْحَدُّ لَا يُقَامُ بِمَا هُوَ قَائِمٌ مَقَامَ غَيْرِهِ، بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ وَالْقِصَاصِ فَإِنَّهُ يَسْتَحْلِفُ عَلَى سَبَبِهِمَا، وَيَسْتَحْلِفُ فِي السَّرِقَةِ لِأَجْلِ الْمَالِ، فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ الْمَالَ وَلَا يُقْطَعُ لِأَنَّ حَقِيقَةَ السَّرِقَةِ أَخْذُ الْمَالِ بِقَيْدٍ فَيَحْلِفُ عَلَى أَخْذِ الْمَالِ لَا عَلَى فِعْلِ السَّرِقَةِ، وَعِنْدَ نُكُولِهِ يَقْضِي بِمُوجَبِ الْأَخْذِ وَهُوَ الضَّمَانُ، كَمَا لَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِالسَّرِقَةِ ثَبَتَ الْأَخْذُ فَيَضْمَنُ وَلَا يُقْطَعُ، وَإِذَا أَقَامَ الْمَقْذُوفُ بَيِّنَةً بِالْقَذْفِ سَأَلَهُمَا الْقَاضِي عَنْ الْقَذْفِ مَا هُوَ وَعَنْ خُصُوصِ مَا قَالَ لِأَنَّ الرَّمْيَ بِغَيْرِ الزِّنَا قَدْ يَظُنُّونَهُ قَذْفًا فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِفْسَارِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَزِيدُوا عَلَى قَوْلِهِمْ قَذَفَهُ لَا يُحَدُّ، وَإِذَا شَهِدُوا أَنَّهُ قَالَ يَا زَانِي وَهُمْ عُدُولٌ حُدَّ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الْقَاضِي عَدَالَتَهُمْ حَبَسَ الْقَاذِفَ حَتَّى يُزَكُّوا لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِارْتِكَابِ مَا لَا يَحِلُّ مِنْ أَعْرَاضٍ فِي النَّاسِ فَيُحْبَسُ فِي هَذِهِ التُّهْمَةِ وَلَا يَكْفُلُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الزِّنَا فَارْجِعْ إلَيْهِ وَلَا تَكَفُّلَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ، وَلِهَذَا يَحْبِسُهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْكَفِيلُ، وَلِهَذَا لَا يُحْبَسُ عِنْدَهُمَا فِي دَعْوَى حَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا تَكْفِيلَ بِنَفْسِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، لِأَنَّ النِّيَابَةَ لَا تُجْزِئُ فِي إيفَائِهِمَا، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْكَفَالَةِ إقَامَةُ الْكَفِيلِ مُقَامَ الْمَكْفُولِ عَنْهُ فِي الْإِيفَاءِ. وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ.
فَأَمَّا أَخْذُ الْكَفِيلِ بِنَفْسِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا زَعَمَ الْمَقْذُوفُ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً حَاضِرَةً فِي الْمِصْرِ فَكَذَلِكَ لَا يَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ وَلَكِنْ يُلَازِمُهُ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ، فَإِنْ أَحْضَرَ بَيِّنَةً وَإِلَّا خَلَّى سَبِيلَهُ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَقَالَا: حَدُّ الْقَذْفِ فِي الدَّعْوَى وَالْخُصُومَةِ مِثْلُ حُقُوقِ الْعِبَادِ.
وَفِي أَخْذِ الْكَفِيلِ بِنَفْسِهِ نَظَرٌ لِلْمُدَّعِي مِنْ حَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إحْضَارِ الْخَصْمِ لِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: هَذَا احْتِيَاطٌ وَالْحُدُودُ يُحْتَاطُ فِي دَرْئِهَا لَا فِي إثْبَاتِهَا، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ يَقُولُ: مُرَادُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُجْبِرُهُ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ، فَأَمَّا إذَا سَمَحَتْ نَفْسُهُ بِهِ فَلَا بَأْسَ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ نَفْسَهُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ، وَالْكَفِيلُ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ إنَّمَا يُطْلَبُ بِهَذَا الْقَدْرِ، فَأَمَّا إنْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا لَا يَعْرِفُهُ الْقَاضِي بِالْعَدَالَةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يُقِمْ أَحَدًا وَلَا يُلَازِمُهُ إلَّا إلَى آخَرِ الْمَجْلِسِ، فَإِنْ كَانَ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ حَبَسَهُ إذَا قَالَ إنَّ لَهُ شَاهِدًا آخَرَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً هَذَا الْمِقْدَارُ اسْتِحْسَانٌ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ