أَمَّا الْأَوَّلَانِ فَلِأَنَّ الْمَقْصِدَ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى الِانْزِجَارُ، وَاحْتِمَالُ حُصُولِهِ بِالْأَوَّلِ قَائِمٌ فَتَتَمَكَّنُ شُبْهَةُ فَوَاتِ الْمَقْصُودِ فِي الثَّانِي، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى وَقَذَفَ وَسَرَقَ وَشَرِبَ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ غَيْرُ الْمَقْصُودِ مِنْ الْآخَرِ فَلَا يَتَدَاخَلُ. وَأَمَّا الْقَذْفُ فَالْمُغَلَّبُ فِيهِ عِنْدَنَا حَقُّ اللَّهِ فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِهِمَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ اخْتَلَفَ الْمَقْذُوفُ أَوْ الْمَقْذُوفُ بِهِ وَهُوَ الزِّنَا لَا يَتَدَاخَلُ، لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ عِنْدَهُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــQمَرَّةً فَهُوَ لِذَلِكَ كُلِّهِ مِمَّا سَبَقَ مِنْهُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ قَذْفَ جَمَاعَةٍ بِكَلِمَةٍ فَكَذَلِكَ فِي قَوْلٍ وَإِنْ قَذَفَهُمْ بِكَلِمَاتٍ أَوْ قَذَفَ وَاحِدًا مَرَّاتٍ بِزِنًا آخَرَ يَجِبُ لِكُلِّ قَذْفٍ حَدٌّ. وَعِنْدَنَا لَا فَرْقَ وَلَا تَفْصِيلَ بَلْ لَا تَعَدُّدَ كَيْفَمَا كَانَ، وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَحَمَّادٌ وَطَاوُسٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا وَاحْتَجَّا بِأَنَّ مُقْتَضَى الْآيَةِ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ الْمُشْعِرِ بِالْعِلِّيَّةِ فَيَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ عَلَى مَا عُرِفَ.

وَفِي الْجَدِيدِ لِلشَّافِعِيِّ لَا يَتَدَاخَلُ وَلَوْ قَذَفَهُمْ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ، وَلَنَا مَا ذَكَرَ مِنْ قَوْلِهِ (أَمَّا الْأَوَّلَانِ) وَهُوَ كُلٌّ مِنْ الزِّنَا وَالشُّرْبِ (فَلِأَنَّ الْمَقْصِدَ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى الِانْزِجَارُ) عَنْ فِعْلِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ (وَاحْتِمَالُ حُصُولِهِ) بِالْحَدِّ الْوَاحِدِ الْمُقَامِ بَعْدَ الزِّنَا الْمُتَعَدِّدِ مِنْهُ وَالشُّرْبِ الْمُتَعَدِّدِ (قَائِمٌ فَتَتَمَكَّنُ شُبْهَةُ فَوَاتِ الْمَقْصُودِ فِي الثَّانِي) وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ بِالْإِجْمَاعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى فَحُدَّ ثُمَّ زَنَى يَجِبُ حَدٌّ آخَرُ لِتَيَقُّنِنَا بِعَدَمِ انْزِجَارِهِ بِالْأَوَّلِ، وَالْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَمَّا كَانَ عَلَى دَفْعِ الْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ كَانَ مُقَيَّدًا لِمَا اقْتَضَتْهُ الْآيَةُ مِنْ التَّكْرَارِ عِنْدَ التَّكَرُّرِ بِالتَّكَرُّرِ الْوَاقِعِ بَعْدَ الْحَدِّ الْأَوَّلِ، بَلْ هَذَا ضَرُورِيٌّ فَإِنَّك عَلِمْت أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِالْإِقَامَةِ فِي قَوْلِهِ {فَاجْلِدُوهُمْ} [النور: 4] الْأَئِمَّةُ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ هَذَا الْخِطَابُ إلَّا بَعْدَ الثُّبُوتِ عِنْدَهُمْ فَكَانَ حَاصِلُ النَّصِّ إيجَابَ الْحَدِّ إذَا ثَبَتَ السَّبَبُ عِنْدَهُمْ أَعَمَّ مِنْ كَوْنِهِ بِوَصْفِ الْكَثْرَةِ أَوْ الْقِلَّةِ، فَإِذَا ثَبَتَ وُقُوعُهُ مِنْهُ كَثِيرًا كَانَ مُوجِبًا لِجَلْدِ مِائَةٍ أَوْ ثَمَانِينَ لَيْسَ غَيْرُ، فَإِذَا جُلِدَ ذَلِكَ وَقَعَ الِامْتِثَالُ، ثُمَّ هُوَ أَيْضًا تَرَكَ مُقْتَضَى التَّكَرُّرِ بِالتَّكَرُّرِ فِيمَا إذَا قَذَفَ وَاحِدًا مَرَّةً ثُمَّ قَذَفَهُ ثَانِيًا بِذَلِكَ الزِّنَا فَإِنَّهُ لَا يُحِدُّهُ مَرَّتَيْنِ، وَفِي حَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ فَالْحَقُّ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ لَهُ بِالْآيَةِ لَا يُخَلِّصُهُ فَإِنَّهُ يُلْجِئُ إلَى تَرْكِ مِثْلِهَا مِنْ آيَةِ حَدِّ الزِّنَا فَيَعُودُ إلَى أَنَّ هَذَا حَقُّ آدَمِيٍّ، بِخِلَافِ الزِّنَا فَكَانَ الْمَبْنِيُّ إثْبَاتَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حَقِّ آدَمِيٍّ، فَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَخْصَرُ وَأَصْوَبُ.

وَقَوْلُهُ (وَأَمَّا الْقَذْفُ فَالْمُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَكَانَ مُلْحَقًا بِهِمَا) لَا حَاجَةَ إلَى إلْحَاقِهِ، بَلْ عَيْنُ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ يَجْرِي فِيهِ وَهُوَ أَنَّهُ حَدٌّ شُرِعَ حَقًّا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ تَعَالَى لِمَقْصُودِ الِانْزِجَارِ عَنْ الْأَعْرَاضِ، فَحَيْثُ أُقِيمَ ثَبَتَتْ شُبْهَةٌ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ، وَحَقُّ الْعَبْدِ فِي الْخُصُومَةِ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ لَيْسَ غَيْرُ.

(قَوْلُهُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى وَقَذَفَ وَشَرِبَ وَسَرَقَ) ثُمَّ أَخَذَ يَعْنِي الْأَسْبَابَ عِنْدَ الْحَاكِمِ حَيْثُ تَجِبُ الْحُدُودُ الْمُخْتَلِفَةُ كُلُّهَا لِاخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ مِنْ أَسْبَابِهَا، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ حَدِّ الْخَمْرِ صِيَانَةُ الْعُقُولِ، وَمِنْ حَدِّ الزِّنَا صِيَانَةُ الْأَنْسَابِ، وَمِنْ حَدِّ الْقَذْفِ صِيَانَةُ الْأَعْرَاضِ، وَثَبَتَ كُلٌّ بِخِطَابٍ يَخُصُّهُ، فَلَوْ حَدَدْنَا فِي الْخَمْرِ وَالْقَذْفِ حَدًّا وَاحِدًا عَطَّلْنَا نَصًّا مِنْ النُّصُوصِ عَنْ مُوجِبِهِ.

[فُرُوعٌ]

ثَبَتَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ الزِّنَا وَالسَّرِقَةَ وَالشُّرْبَ وَالْقَذْفَ وَفَقْءَ عَيْنِ رَجُلٍ يُبْدَأُ بِالْقِصَاصِ فِي الْعَيْنِ لِأَنَّهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015