(وَإِنْ ادَّعَيَاهُ مَعًا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُمَا) مَعْنَاهُ إذَا حَمَلَتْ عَلَى مِلْكِهِمَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُرْجَعُ إلَى قَوْلِ الْقَافَةِ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ النَّسَبِ مِنْ شَخْصَيْنِ مَعَ عِلْمِنَا أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَتَخَلَّقُ مِنْ مَاءَيْنِ مُتَعَذِّرٌ فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهِ، وَقَدْ سُرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِ الْقَائِفِ فِي أُسَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ شَيْئًا. وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْمِلْكَ فِي نِصْفِ شَرِيكِهِ يَثْبُتُ حُكْمًا لِلِاسْتِيلَادِ فَيُعْتِقُهُ أَنَّ الْعُلُوقَ قَبْلَ مِلْكِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَيَحْصُلُ مَمْلُوكُ النِّصْفِ لَهُ وَنِصْفُهُ لِشَرِيكِهِ. وَاسْتِنَادُ النَّسَبِ إلَى الْعُلُوقِ بَعْدَمَا وَقَعَ فِي مِلْكِ الشَّرِيكِ لَا يُوجِبُ أَنْ لَا يَعْلَقَ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى مِلْكِهِ.
لَا يُقَالُ: يُمْكِنُ كَوْنُهُ أَرَادَ بِالِاسْتِيلَادِ فِي قَوْلِهِ حُكْمًا لِلِاسْتِيلَادِ الْوَطْءَ. لِأَنَّا نَقُولُ: الِاسْتِيلَادُ إمَّا أَنْ يُطْلَقَ عَلَى الْعُلُوقِ، أَوْ عَلَى مَجْمُوعِ الْوَطْءِ مَعَ الْإِنْزَالِ وَالْعُلُوقِ، أَمَّا مُجَرَّدُ الْوَطْءِ بِلَا إنْزَالٍ فَلَا. وَلَوْ سَلِمَ لَمْ يَصِحَّ ثُبُوتُ الْمِلْكِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ نَقْلَهُ مِنْ مِلْكِ الشَّرِيكِ إلَى مِلْكِ الْمُسْتَوْلِدِ ضَرُورَةُ صَيْرُورَتِهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَلَا تَصِيرُ إلَّا بِالْعُلُوقِ فَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ بِلَا مُوجِبٍ. وَالِاعْتِرَاضُ السَّابِقُ بِأَنَّ حُكْمَ الْعِلَّةِ مَعَهَا فِي الْأَصَحِّ لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّ نَقْلَهُ مَعَ الْعُلُوقِ أَيْضًا بِلَا مُوجِبٍ؛ لِأَنَّهَا مَا لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَمْ يَلْزَمْ النَّقْلُ. فَالْوَجْهُ جَعَلَهُ مُعَقِّبًا لِلْعُلُوقِ بِلَا فَصْلٍ قَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ وَلَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَاءٌ مَهِينٌ لَا قِيمَةَ لَهُ فَلَا يُضْمَنُ، وَحِينَ صَارَ بِحَيْثُ يُضْمَنُ لَمْ يَكُنْ عَلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ حِينَ انْتَقَلَتْ إلَى مِلْكِ الْمُسْتَوْلَدِ انْتَقَلَتْ بِأَجْزَائِهَا وَمِنْ جُمْلَتِهَا ذَلِكَ الْمَاءُ، هَذَا إذَا حَمَلَتْ عَلَى مِلْكِهِمَا، فَإِنْ اشْتَرَيَاهَا حَامِلًا فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِنَادُ الِاسْتِيلَادِ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِي مِلْكِهَا، وَلِذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ عُقْرٌ لِشَرِيكِهِ هُنَا، لَكِنْ لَمَّا ادَّعَى نَسَبَ وَلَدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا كَانَتْ دَعْوَتُهُ مِلْكٌ وَهِيَ كَالْإِعْتَاقِ الْمُوقِعِ إلَّا أَنَّهُ يَضْمَنُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ كَالْبَيْعِ، وَلَا عُقْرَ لِشَرِيكِهِ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَمْ يُوجَدْ فِي مِلْكِ شَرِيكِهِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ ادَّعَيَاهُ مَعًا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُمَا) وَكَانَتْ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا فَتَخْدُمُ كُلًّا مِنْهُمَا يَوْمًا، وَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا عَتَقَتْ وَلَا ضَمَانَ لِلْحَيِّ فِي تَرْكِهِ الْمَيِّتِ لِرِضَا كُلٍّ مِنْهُمَا بِعِتْقِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَا تَسْعَى لِلْحَيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِعَدَمِ تَقَوُّمِهَا. وَعَلَى قَوْلِهِمَا تَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا لَهُ. وَلَوْ أَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا عَتَقَتْ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِلسَّاكِتِ، وَلَا سِعَايَةَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَضْمَنُ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَتَسْعَى إنْ كَانَ مُعْسِرًا، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْعُقْرِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا بِمَا لَهُ عَلَى الْآخَرِ. وَفَائِدَةُ إيجَابِ الْعُقْرِ مَعَ التَّقَاصِّ بِهِ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ أَبْرَأ أَحَدَهُمَا عَنْ حَقِّهِ بَقِيَ حَقُّ الْآخَرِ. وَأَيْضًا لَوْ قُوِّمَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا بِالدَّرَاهِمِ وَالْآخَرِ بِالذَّهَبِ كَانَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الدَّرَاهِمَ وَيَأْخُذَ الذَّهَبَ وَيَرِثُ