يَفْرُغَ مِنْهُمَا، وَلَا كَذَلِكَ التَّمَتُّعُ فَكَانَ الْقِرَانُ أَوْلَى مِنْهُ. وَقِيلَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَارِنَ عِنْدَنَا يَطُوفُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ، وَعِنْدَهُ طَوَافًا وَاحِدًا سَعْيًا وَاحِدًا.
قَالَ (وَصِفَةُ الْقِرَانِ أَنْ يُهِلَّ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مَعًا مِنْ الْمِيقَاتِ وَيَقُولُ عَقِيبَ الصَّلَاةِ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَيَسِّرْهُمَا لِي وَتَقَبَّلْهُمَا مِنِّي) لِأَنَّ الْقِرَانَ هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مِنْ قَوْلِك قَرَنْت الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ إذَا جَمَعْت بَيْنَهُمَا، وَكَذَا إذَا أَدْخَلَ حَجَّةً عَلَى عُمْرَةٍ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ لِأَنَّ الْجَمْعَ قَدْ تَحَقَّقَ إذْ الْأَكْثَرُ مِنْهَا قَائِمٌ، وَمَتَى عَزَمَ عَلَى أَدَائِهِمَا يَسْأَلُ التَّيْسِيرَ فِيهِمَا وَقَدَّمَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ فِيهِ وَلِذَلِكَ يَقُولُ: لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ مَعًا لِأَنَّهُ يَبْدَأُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فَكَذَلِكَ يَبْدَأُ بِذِكْرِهَا، وَإِنْ أَخَّرَ ذَلِكَ فِي الدُّعَاءِ وَالتَّلْبِيَةِ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ، وَلَوْ نَوَى بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا فِي التَّلْبِيَةِ أَجْزَأَهُ اعْتِبَارًا بِالصَّلَاةِ (فَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ ابْتَدَأَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ يَرْمُلُ فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ مِنْهَا، وَيَسْعَى بَعْدَهَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَهَذِهِ أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ يَبْدَأُ بِأَفْعَالِ الْحَجِّ فَيَطُوفُ طَوَافَ الْقُدُومِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ وَيَسْعَى بَعْدَهُ كَمَا بَيَّنَّا فِي الْمُفْرِدِ) وَيُقَدِّمُ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] وَالْقِرَانُ فِي مَعْنَى الْمُتْعَةِ. وَلَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] عَلَى مَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إتْمَامُهَا أَنْ تُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِك، وَعَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْخِلَافِيَّةِ نَفْسُ ذِكْرِ التَّمَتُّعِ ذِكْرُ الْقِرَانِ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهُ فَذِكْرُهُ ذِكْرُ كُلٍّ مِنْ أَنْوَاعِهِ ضِمْنًا، وقَوْله تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] عَلَى هَذَا مَعْنَاهُ مَنْ تَرَفَّقَ بِالْعُمْرَةِ فِي وَقْتِ الْحَجِّ تَرَفُّقًا غَايَتُهُ الْحَجُّ، وَسَمَّاهُ تَمَتُّعًا لِمَا قُلْنَا إنَّهَا كَانَتْ مَمْنُوعَةً عِنْدَ الْجَاهِلِيَّةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ تَعْظِيمًا لِلْحَجِّ بِأَنْ لَا يُشْرَكَ مَعَهُ فِي وَقْتِهِ شَيْءٌ.
فَلَمَّا أَبَاحَهَا الْعَزِيزُ جَلَّ جَلَالُهُ فِيهِ كَانَ تَوْسِعَةً وَتَيْسِيرًا لِمَا فِيهِ مِنْ إسْقَاطِ مُؤْنَةِ سَفَرٍ آخَرَ أَوْ صَبَرَ إلَى أَنْ يَنْقَضِيَ وَقْتُ الْحَجِّ فَكَانَ الْآتِي بِهِ مُتَمَتِّعًا بِنِعْمَةِ التَّرَفُّقِ بِهِمَا فِي وَقْتِ أَحَدِهِمَا (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُ طَوَافًا وَاحِدًا إلَخْ) فَلَمَّا كَانَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا نُقْصَانُ أَفْعَالٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى إفْرَادِ كُلٍّ مِنْهُمَا كَانَ إفْرَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْلَى مِنْ الْجَمْعِ
(قَوْلُهُ عَقِيبَ الصَّلَاةِ) أَيْ سُنَّةِ الْإِحْرَامِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَالْقِرَانُ فِي مَعْنَى التَّمَتُّعِ) وَعَلَى مَا قُلْنَاهُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196]