لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا لَيْلًا» . وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَرْمُوا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ إلَّا مُصْبِحِينَ» وَيَرْوِي «حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» فَيَثْبُتُ أَصْلُ الْوَقْتِ بِالْأَوَّلِ وَالْأَفْضَلِيَّةُ بِالثَّانِي. وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ اللَّيْلَةَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ، وَلِأَنَّ لَيْلَةَ النَّحْرِ وَقْتُ الْوُقُوفِ وَالرَّمْيِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ وَقْتُهُ بَعْدَهُ ضَرُورَةً. ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَمْتَدُّ هَذَا الْوَقْتُ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي هَذَا الْيَوْمِ الرَّمْيُ» ، جَعَلَ الْيَوْمَ وَقْتًا لَهُ وَذَهَابَهُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَمْتَدُّ إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا. وَإِنْ أَخَّرَ إلَى اللَّيْلِ رَمَاهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ الدُّعَاءِ. وَإِنْ أَخَّرَ إلَى الْغَدِ رَمَاهُ لِأَنَّهُ وَقْتُ جِنْسِ الرَّمْيِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِتَأْخِيرِهِ عَنْ وَقْتِهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ.
قَالَ (فَإِنْ رَمَاهَا رَاكِبًا أَجْزَأَهُ) لِحُصُولِ فِعْلِ الرَّمْيِ (وَكُلُّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَرْمِيَهُ مَاشِيًا وَإِلَّا فَيَرْمِيهِ رَاكِبًا) لِأَنَّ الْأَوَّلَ بَعْدَهُ وُقُوفٌ وَدُعَاءٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّانِي وَالثَّالِثِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، فَإِنْ رَمَى قَبْلَ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ وَحُمِلَ الْمَرْوِيُّ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى اخْتِيَارِ الْأَفْضَلِ.
وَجْهُ الظَّاهِرِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ اتِّبَاعِ الْمَنْقُولِ لِعَدَمِ الْمَعْقُولِيَّةِ وَلَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ تَخْفِيفٍ فِيهَا بِتَجْوِيزِ التَّرْكِ لِيَنْفَتِحَ بَابُ التَّخْفِيفِ بِالتَّقْدِيمِ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ يَحْتَاجُ إلَيْهَا أَبُو حَنِيفَة وَحْدَهُ (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا لَيْلًا» ) أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَذَكَرَهُ.
وَرَوَاهُ أَيْضًا فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عَطَاءٍ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ وَزَادَ فِيهِ «وَأَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءُوا مِنْ النَّهَارِ» وَحَمَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ وَقْتَ رَمْيِ كُلِّ يَوْمٍ إذَا دَخَلَ مِنْ النَّهَارِ امْتَدَّ إلَى آخِرِ اللَّيْلَةِ الَّتِي تَتْلُو ذَلِكَ النَّهَارَ فَيُحْمَل عَلَى ذَلِكَ، فَاللَّيَالِي فِي الرَّمْيِ تَابِعَةٌ لِلْأَيَّامِ السَّابِقَةِ لَا اللَّاحِقَةِ، بِدَلِيلِ مَا فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَدِّمُ ضُعَفَاءَ أَهْلِهِ بِغَلَسٍ وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ لَا يَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» وَمَا رَوَى الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ ضَعَفَةَ بَنِي هَاشِمٍ أَنْ يَرْتَحِلُوا مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ وَيَقُولُ: أَبَنِيَّ لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُقَدَّمِيُّ.
حَدَّثَنَا فُضَيْلٍ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، أَخْبَرَنَا كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ نِسَاءَهُ وَثَقَلَهُ صَبِيحَةَ جَمْعٍ أَنْ يُفِيضُوا مَعَ أَوَّلِ الْفَجْرِ بِسَوَادٍ وَلَا يَرْمُوا الْجَمْرَةَ إلَّا مُصْبِحِينَ» حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ بْنُ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَهُ فِي الثَّقَلِ وَقَالَ: لَا تَرْمُوا الْجِمَارَ حَتَّى تُصْبِحُوا» فَأَثْبَتْنَا الْجَوَازَ بِهَذَيْنِ وَالْفَضِيلَةَ بِمَا قَبْلَهُ.
وَفِي النِّهَايَةِ نَقْلًا مِنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّ مَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَقْتُ الْجَوَازِ مَعَ الْإِسَاءَةِ، وَمَا بَعْدَ طُلُوعِ