فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْفِرَ لِدُخُولِ وَقْتِ الرَّمْيِ، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ) (قَدَّمَ الرَّمْيَ فِي هَذَا الْيَوْمِ) يَعْنِي الْيَوْمَ الرَّابِعَ (قَبْلَ الزَّوَالِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ) (جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَقَالَا لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْأَيَّامِ، وَإِنَّمَا التَّفَاوُتُ فِي رُخْصَةِ النَّفْرِ، فَإِذْ لَمْ يَتَرَخَّصْ اُلْتُحِقَ بِهَا، وَمَذْهَبُهُ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَلِأَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ أَثَرُ التَّخْفِيفِ فِي هَذَا الْيَوْمِ فِي حَقِّ التَّرْكِ فَلَأَنْ يَظْهَرَ فِي جَوَازِهِ فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا أَوْلَى، بِخِلَافِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي حَيْثُ لَا يَجُوزُ الرَّمْيُ فِيهِمَا إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الرِّوَايَةِ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ فِيهِمَا فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْمَرْوِيِّ. فَأَمَّا يَوْمُ النَّحْرِ فَأَوَّلُ وَقْتِ الرَّمْيِ مِنْ وَقْتِ طُلُوعِ الْفَجْرِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَوَّلُهُ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ يَبْلُغُ بِهِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ آخِرِ يَوْمٍ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ. يَعْنِي يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَرْمِي الْجَمْرَةَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ» الْحَدِيثَ.

قَالَ الْمُنْذِرِيّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ) فَإِنَّ عِنْدَهُ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِرَ حَتَّى يَرْمِيَ، قَالَ: لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ الْخِيَارُ فِي الْيَوْمِ وَإِنَّمَا يَمْتَدُّ الْيَوْمُ إلَى الْغُرُوبِ.

وَقُلْنَا: لَيْسَ اللَّيْلُ وَقْتًا لِرَمْيِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَيَكُونُ خِيَارُهُ فِي النَّفْرِ بَاقِيًا فِيهِ كَمَا قَبْلَ الْغُرُوبِ مِنْ الثَّالِثِ فَإِنَّهُ خُيِّرَ فِيهِ فِي النَّفْرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتَ رَمْيِ الرَّابِعِ وَهَذَا ثَابِتٌ فِي لَيْلَتِهِ (قَوْلُهُ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْأَيَّامِ) أَيْ بَاقِي الْأَيَّامِ الَّتِي يَرْمِي فِيهَا الْجَمَرَاتِ كُلَّهَا وَهُمَا الثَّانِي وَالثَّالِثُ (قَوْلُهُ وَمَذْهَبُهُ) أَيْ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ: إذَا انْتَفَخَ النَّهَارُ مِنْ يَوْمِ النَّفْرِ فَقَدْ حَلَّ الرَّمْيُ وَالصَّدَرُ. وَالِانْتِفَاخُ الِارْتِفَاعُ، وَفِي سَنَدِهِ طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ (قَوْلُهُ أَوْلَى) مِمَّا يُمْنَعُ لِجَوَازِ أَنْ يُرَخَّصَ فِي تَرْكِهِ مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ، فَإِذَا طَلَعَ مُنِعَ مِنْ تَرْكِهِ أَصْلًا وَلَزِمَهُ أَنْ يُقِيمَهُ فِي وَقْتِهِ.

وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي تَعْيِينِ الْوَقْتِ لِلرَّمْيِ فِي الْأَوَّلِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَفِيمَا بَعْدَهُ مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ لَيْسَ إلَّا فِعْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَكَذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، فَلَا يَدْخُلُ وَقْتُهُ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي فَعَلَهُ فِيهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا لَا يَفْعَلُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي رَمَى فِيهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَإِنَّمَا رَمَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الرَّابِعِ بَعْدَ الزَّوَالِ فَلَا يَرْمِي قَبْلَهُ. وَبِهَذَا الْوَجْهِ يَنْدَفِعُ الْمَذْكُورُ لِأَبِي حَنِيفَةَ لَوْ قُرِّرَ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ عَلَى الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لَا إذَا قُرِّرَ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ) أَيْ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا الرَّمْيِ (وَالثَّانِي) مِنْهَا فَإِنَّهُمَا الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ الرَّمْيِ وَالثَّالِثُ مِنْهُ (قَوْلُهُ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الرِّوَايَةِ) احْتِرَازٌ عَمَّا عَنْ أَبِي حَنِيفَة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَرْمِيَ فِي الْيَوْمِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015