وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ هؤُلاءِ إِلَى كُفَّارِ قُرَيْشٍ، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِمْ، وَقِصَّةُ فِرْعَوْنَ مَسُوقَةٌ لِلدَّلَالَةِ عَلَى اسْتِوَائِهِمْ فِي الْإِصْرَارِ عَلَى الْكُفْرِ لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى أَيْ: مَا هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى الَّتِي نَمُوتُهَا فِي الدُّنْيَا وَلَا حَيَاةَ بَعْدَهَا وَلَا بَعْثَ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ أَيْ: بِمَبْعُوثِينَ، وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ قَصْدٌ إِلَى إِثْبَاتِ مَوْتَةٍ أُخْرَى، بَلِ الْمُرَادُ مَا الْعَاقِبَةُ وَنِهَايَةُ الْأَمْرِ إِلَّا الْمَوْتَةُ الْأُولَى الْمُزِيلَةُ لِلْحَيَاةِ الدُّنْيَوِيَّةِ، قَالَ الرَّازِيُّ: الْمَعْنَى: أَنَّهُ لَا يَأْتِينَا مِنَ الْأَحْوَالِ الشَّدِيدَةِ إِلَّا الْمَوْتَةُ الْأُولَى، ثُمَّ أَوْرَدُوا عَلَى مَنْ وَعَدَهُمْ بِالْبَعْثِ مَا ظَنُّوهُ دَلِيلًا، وَهُوَ حُجَّةٌ دَاحِضَةٌ، فَقَالُوا فَأْتُوا بِآبائِنا أَيْ: أَرْجِعُوهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ إِلَى الدُّنْيَا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فِيمَا تَقُولُونَهُ وَتُخْبِرُونَا بِهِ مِنَ الْبَعْثِ. ثُمَّ رَدَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ أَيْ: أَهُمْ خَيْرٌ فِي الْقُوَّةِ وَالْمَنَعَةِ: أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ الْحِمْيَرِيِّ الَّذِي دَارَ فِي الدُّنْيَا بِجُيُوشِهِ، وَغَلَبَ أَهْلَهَا وَقَهَرَهُمْ، وَفِيهِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْمِ تُبَّعٍ جَمِيعُ أَتْبَاعِهِ لَا وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ: فَأْتُوا بِآبائِنا لِرَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم وحده كقوله: رَبِّ ارْجِعُونِ (?) وَالْأَوْلَى أَنَّهُ خِطَابٌ لَهُ وَلِأَتْبَاعِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالمراد ب الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ عَادٌ، وَثَمُودُ، وَنَحْوُهُمْ، وَقَوْلُهُ: أَهْلَكْناهُمْ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيَانِ حَالِهِمْ وَعَاقِبَةِ أَمْرِهِمْ، وَجُمْلَةُ: إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ تَعْلِيلٌ لِإِهْلَاكِهِمْ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ أَهْلَكَ هَؤُلَاءِ بِسَبَبِ كَوْنِهِمْ مُجْرِمِينَ، فَإِهْلَاكُهُ لِمَنْ هُوَ دُونَهُمْ بِسَبَبِ كَوْنِهِ مُجْرِمًا مَعَ ضَعْفِهِ وَقُصُورِ قُدْرَتِهِ بِالْأَوْلَى.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلَقَدْ فَتَنَّا قَالَ: ابْتَلَيْنَا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ قَالَ: هُوَ مُوسَى أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ أَرْسِلُوا مَعِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ قَالَ: لَا تَعْثَوْا إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ قَالَ: بِعُذْرٍ مُبِينٍ وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ قَالَ: بِالْحِجَارَةِ وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ أَيْ خَلُّوا سَبِيلِي. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ قَالَ: يَقُولُ اتَّبِعُونِي إِلَى مَا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ، وَفِي قَوْلِهِ: وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ قَالَ: لَا تَفْتَرُوا وَفِي قَوْلِهِ: أَنْ تَرْجُمُونِ قَالَ: تَشْتُمُونِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: رَهْواً قَالَ: سَمْتًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا رَهْواً قَالَ: كهيئته وامض. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ سَأَلَ كَعْبًا عَنْ قَوْلِهِ: وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً قَالَ: طَرِيقًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا قَالَ: الرَّهْوُ أَنْ يُتْرَكَ كَمَا كَانَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: وَمَقامٍ كَرِيمٍ قَالَ: الْمَنَابِرُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ جَابِرٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَأَبُو يَعْلَى، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ، وَالْخَطِيبُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: مَا مِنْ عَبْدٍ إِلَّا وَلَهُ بَابَانِ: بَابٌ يَصْعَدُ مِنْهُ عَمَلُهُ، وَبَابٌ يَنْزِلُ مِنْهُ رِزْقُهُ، فَإِذَا مَاتَ فَقَدَاهُ وَبَكَيَا عَلَيْهِ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَذَكَرَ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْمَلُونَ عَلَى الْأَرْضِ عَمَلًا صَالِحًا تَبْكِي عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَصْعَدْ لَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَلَا مِنْ عَمَلِهِمْ كَلَامٌ صَالِحٌ فَتَفْقِدَهُمْ فَتَبْكِيَ عَلَيْهِمْ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْبَيْهَقِيُّ