النَّاسَ وَأَمَرَهُمْ بِالصَّدَقَةِ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ تَصَدَّقُوا فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ كَانَ وَعَدَ النِّسَاءَ بِأَنْ يُفْرِدَهُنَّ بِالْمَوْعِظَةِ فَأَنْجَزَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَفِيهِ أَنَّهُ وَعَظَهُنَّ وَبَشَّرَهُنَّ قَوْلُهُ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ الْمَعْشَرُ كُلُّ جَمَاعَةٍ أَمْرُهُمْ وَاحِدٌ وَنُقِلَ عَنْ ثَعْلَبٍ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالرِّجَالِ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِ إِلَّا إِنْ كَانَ مُرَادُهُ بِالتَّخْصِيصِ حَالَةَ إِطْلَاقِ الْمَعْشَرِ لَا تَقْيِيدَهُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ قَوْلُهُ أُرِيتُكُنَّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَالْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَاهُنَّ لَهُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَقد تقدم فِي الْعلم من حَدِيث بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ أُرِيتُ النَّارَ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاء وَيُسْتَفَاد من حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَنَّ الرُّؤْيَةَ الْمَذْكُورَةَ وَقَعَتْ فِي حَالِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ كَمَا سَيَأْتِي وَاضِحًا فِي بَابِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ جَمَاعَةً قَوْلُهُ وَبِمَ الْوَاوُ اسْتِئْنَافِيَّةٌ وَالْبَاءُ تَعْلِيلِيَّةٌ وَالْمِيمُ أَصْلُهَا مَا الِاسْتِفْهَامِيَّةُ فَحُذِفَتْ مِنْهَا الْأَلِفُ تَخْفِيفًا قَوْلُهُ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ أَيْ تَجْحَدْنَ حَقَّ الْخَلِيطِ وَهُوَ الزَّوْجُ أَوْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ مِنْ نَاقِصَاتِ صِفَةُ مَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ قَالَ الطِّيبِيُّ فِي قَوْلِهِ مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتٍ إِلَخْ زِيَادَةٌ عَلَى الْجَوَابِ تُسَمَّى الِاسْتِتْبَاعَ كَذَا قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ أَسْبَابِ كَوْنِهِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ لِأَنَّهُنَّ إِذَا كُنَّ سَبَبًا لِإِذْهَابِ عَقْلِ الرَّجُلِ الْحَازِمِ حَتَّى يَفْعَلَ أَوْ يَقُولَ مَا لَا يَنْبَغِي فَقَدْ شَارَكْنَهُ فِي الْإِثْمِ وَزِدْنَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ أَذْهَبَ أَيْ أَشَدَّ إِذْهَابًا وَاللُّبُّ أَخَصُّ مِنَ الْعَقْلِ وَهُوَ الْخَالِصُ مِنْهُ والحازم الضَّابِطِ لِأَمْرِهِ وَهَذِهِ مُبَالَغَةٌ فِي وَصْفِهِنَّ بِذَلِكَ لِأَنَّ الضَّابِطَ لِأَمْرِهِ إِذَا كَانَ يَنْقَادُ لَهُنَّ فَغَيْرُ الضَّابِطِ أَوْلَى وَاسْتِعْمَالُ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ مِنَ الْإِذْهَابِ جَائِزٌ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ حَيْثُ جَوَّزَهُ مِنَ الثُّلَاثِيِّ وَالْمَزِيدِ قَوْلُهُ قُلْنَ وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا كَأَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِنَّ ذَلِكَ حَتَّى سَأَلْنَ عَنْهُ وَنَفْسُ السُّؤَالِ دَالٌّ عَلَى النُّقْصَانِ لِأَنَّهُنَّ سَلَّمْنَ مَا نُسِبَ إِلَيْهِنَّ مِنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ الْإِكْثَارِ وَالْكُفْرَانِ وَالْإِذْهَابِ ثُمَّ اسْتَشْكَلْنَ كَوْنَهُنَّ نَاقِصَاتٍ وَمَا أَلْطَفَ مَا أَجَابَهُنَّ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ تَعْنِيفٍ وَلَا لَوْمٍ بَلْ خَاطَبَهُنَّ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِنَّ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ مِثْلُ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء لِأَنَّ الِاسْتِظْهَارَ بِأُخْرَى مُؤْذِنٌ بِقِلَّةِ ضَبْطِهَا وَهُوَ مشْعر بِنَقص عقلهَا وَحكى بن التِّينِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ حَمَلَ الْعَقْلَ هُنَا عَلَى الدِّيَةِ وَفِيهِ بُعْدٌ قُلْتُ بَلْ سِيَاقُ الْكَلَامِ يَأْبَاهُ قَوْلُهُ فَذَلِكِ بِكَسْرِ الْكَافِ خِطَابًا للواحدة الَّتِي تَوَلَّتِ الْخِطَابَ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا عَلَى أَنَّهُ لِلْخِطَابِ الْعَامِّ قَوْلُهُ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ مَنْعِ الْحَائِضِ مِنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ كَانَ ثَابِتًا بِحُكْمِ الشَّرْعِ قَبْلَ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ مَشْرُوعِيَّةُ الْخُرُوجِ إِلَى الْمُصَلَّى فِي الْعِيدِ وَأَمْرُ الْإِمَامِ النَّاسَ بِالصَّدَقَةِ فِيهِ وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ جَوَازَ الطَّلَبِ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ لِلْفُقَرَاءِ وَلَهُ شُرُوطٌ وَفِيهِ حُضُورُ النِّسَاءِ الْعِيدَ لَكِنْ بِحَيْثُ يَنْفَرِدْنَ عَنِ الرِّجَالِ خَوْفَ الْفِتْنَةِ وَفِيهِ جَوَازُ عِظَةِ الْإِمَامِ النِّسَاءَ عَلَى حِدَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ وَفِيهِ أَنَّ جَحْدَ النِّعَمِ حَرَامٌ وَكَذَا كَثْرَة اسْتِعْمَال الْكَلَام الْقَبِيح كاللعن والشتم وَاسْتدلَّ النَّوَوِيُّ عَلَى أَنَّهُمَا مِنَ الْكَبَائِرِ بِالتَّوَعُّدِ عَلَيْهَا بِالنَّارِ وَفِيهِ ذَمُّ اللَّعْنِ وَهُوَ الدُّعَاءُ بِالْإِبْعَادِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا كَانَ فِي مُعَيَّنٍ وَفِيهِ إِطْلَاقُ الْكُفْرِ عَلَى الذُّنُوبِ الَّتِي لَا تُخْرِجُ عَنِ الْمِلَّةِ تَغْلِيظًا عَلَى فَاعِلِهَا لِقَوْلِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ بِكُفْرِهِنَّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْإِيمَانِ وَهُوَ كَإِطْلَاقِ نَفْيِ الْإِيمَانِ وَفِيهِ الْإِغْلَاظُ فِي النُّصْحِ بِمَا يَكُونُ سَبَبًا لِإِزَالَةِ الصِّفَةِ الَّتِي تُعَابُ وَأَنْ لَا يُوَاجَهُ بِذَلِكَ الشَّخْصُ الْمُعَيَّنُ لِأَنَّ فِي التَّعْمِيمَ تَسْهِيلًا عَلَى السَّامِعِ وَفِيهِ أَنَّ الصَّدَقَةَ تَدْفَعُ الْعَذَابَ وَأَنَّهَا قَدْ تُكَفِّرُ الذُّنُوبَ الَّتِي بَيْنَ الْمَخْلُوقِينَ وَأَنَّ الْعَقْلَ يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ وَكَذَلِكَ الْإِيمَانَ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ بِذِكْرِ النَّقْصِ فِي النِّسَاءِ لَوْمَهُنَّ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ لَكِنَّ التَّنْبِيهَ عَلَى ذَلِك تحذيرا مِنَ الِافْتِتَانِ بِهِنَّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015