كَقَوْل الله تَعَالَى لمسكم فِيمَا أَخَذْتُم وَفِي الْحَدِيثِ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي الشِّعْرِ فَذَكَرَ شَوَاهِدَ انْتَهَى وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الْبَوْنِيُّ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ كَبِيرٍ فَأُوحِيَ إِلَيْهِ فِي الْحَالِ بِأَنَّهُ كَبِيرٌ فَاسْتَدْرَكَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ نَسْخًا وَالنَّسْخُ لَا يَدْخُلُ الْخَبَرَ وَأجِيب بِأَن الحكم بالْخبر يَجُوزُ نَسْخُهُ فَقَوْلُهُ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ إِخْبَارٌ بِالْحُكْمِ فَإِذَا أُوحِيَ إِلَيْهِ أَنَّهُ كَبِيرٌ فَأَخْبَرَ بِهِ كَانَ نَسْخًا لِذَلِكَ الْحُكْمِ وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ وَأَنَّهُ يَعُودُ على الْعَذَاب لما ورد فِي صَحِيح بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يُعَذَّبَانِ عَذَابًا شَدِيدًا فِي ذَنْبٍ هَيِّنٍ وَقِيلَ الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى أَحَدِ الذَّنْبَيْنِ وَهُوَ النَّمِيمَةُ لِأَنَّهَا مِنَ الْكَبَائِرِ بِخِلَافِ كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَهَذَا مَعَ ضَعْفِهِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِأَنَّ الِاسْتِتَارَ الْمَنْفِيَّ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ كَشْفَ الْعَوْرَةِ فَقَطْ كَمَا سَيَأْتِي وَقَالَ الدَّاودِيّ وبن الْعَرَبِيِّ كَبِيرٌ الْمَنْفِيِّ بِمَعْنَى أَكْبَرَ وَالْمُثْبَتُ وَاحِدُ الْكَبَائِرِ أَيْ لَيْسَ ذَلِكَ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ كَالْقَتْلِ مَثَلًا وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فِي الْجُمْلَةِ وَقِيلَ الْمَعْنَى لَيْسَ بِكَبِيرٍ فِي الصُّورَةِ لِأَنَّ تَعَاطِيَ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الدَّنَاءَةِ وَالْحَقَارَةِ وَهُوَ كَبِيرُ الذَّنْبِ وَقِيلَ لَيْسَ بِكَبِيرٍ فِي اعْتِقَادِهِمَا أَوْ فِي اعْتِقَادِ الْمُخَاطَبِينَ وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ كَبِيرٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ وَقِيلَ لَيْسَ بِكَبِيرٍ فِي مَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ أَيْ كَانَ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِمَا الِاحْتِرَازُ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا الْأَخِيرُ جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَرَجَّحَهُ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَجَمَاعَةٌ وَقِيلَ لَيْسَ بِكَبِيرٍ بِمُجَرَّدِهِ وَإِنَّمَا صَارَ كَبِيرًا بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ وَيُرْشِدُ إِلَى ذَلِكَ السِّيَاقُ فَإِنَّهُ وَصَفَ كُلًّا مِنْهُمَا بِمَا يَدُلُّ عَلَى تَجَدُّدِ ذَلِكَ مِنْهُ وَاسْتِمْرَارُهُ عَلَيْهِ لِلْإِتْيَانِ بِصِيغَةِ الْمُضَارَعَةِ بَعْدَ حَرْفِ كَانَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ لَا يَسْتَتِرُ كَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِمُثَنَّاتَيْنِ مِنْ فَوْقُ الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ وَالثَّانِيَةُ مَكْسُورَة وَفِي رِوَايَة بن عَسَاكِرَ يَسْتَبْرِئُ بِمُوَحَّدَةٍ سَاكِنَةٍ مِنَ الِاسْتِبْرَاءِ وَلِمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ فِي حَدِيثِ الْأَعْمَشِ يَسْتَنْزِهُ بِنُونٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَهَا زَايٌ ثُمَّ هَاءٌ فَعَلَى رِوَايَةِ الْأَكْثَرِ مَعْنَى الِاسْتِتَارِ أَنَّهُ لَا يَجْعَلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَوْلِهِ سُتْرَةً يَعْنِي لَا يَتَحَفَّظُ مِنْهُ فَتُوَافِقُ رِوَايَةَ لَا يَسْتَنْزِهُ لِأَنَّهَا مِنَ التَّنَزُّهِ وَهُوَ الْإِبْعَادُ وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنِ الْأَعْمَشِ كَانَ لَا يَتَوَقَّى وَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِلْمُرَادِ وَأَجْرَاهُ بَعْضُهُمْ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالَ مَعْنَاهُ لَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَضُعِّفَ بِأَنَّ التَّعْذِيبَ لَوْ وَقَعَ عَلَى كَشْفِ الْعَوْرَةِ لَاسْتَقَلَّ الْكَشْفُ بِالسَّبَبِيَّةِ وَاطُّرِحَ اعْتِبَارُ الْبَوْلِ فَيَتَرَتَّبُ الْعَذَابُ عَلَى الْكَشْفِ سَوَاءٌ وُجِدَ الْبَوْلُ أَمْ لَا وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَسَيَأْتِي كَلَام بن دَقِيقِ الْعِيدِ قَرِيبًا وَأَمَّا رِوَايَةُ الِاسْتِبْرَاءِ فَهِيَ أَبْلَغُ فِي التَّوَقِّي وَتَعَقَّبَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ رِوَايَةَ الِاسْتِتَارِ بِمَا يحصل جَوَابه مِمَّا ذكرنَا قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ لَوْ حُمِلَ الِاسْتِتَارَ عَلَى حَقِيقَتِهِ لَلَزِمَ أَنَّ مُجَرَّدَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ كَانَ سَبَبَ الْعَذَابِ الْمَذْكُورِ وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْبَوْلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَذَابِ الْقَبْرِ خُصُوصِيَّةً يُشِيرُ إِلَى مَا صَححهُ بن خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا أَكْثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنَ الْبَوْلِ أَيْ بِسَبَبِ تَرْكِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ قَالَ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ لَفْظَ مِنْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَمَّا أُضِيفَ إِلَى الْبَوْلِ اقْتَضَى نِسْبَةَ الِاسْتِتَارِ الَّذِي عَدَمُهُ سَبَبُ الْعَذَابِ إِلَى الْبَوْلِ بِمَعْنَى أَنَّ ابْتِدَاءَ سَبَبِ الْعَذَابِ مِنَ الْبَوْلِ فَلَوْ حُمِلَ عَلَى مُجَرَّدِ كَشْفِ الْعَوْرَةِ زَالَ هَذَا الْمَعْنَى فَتَعَيَّنَ الْحَمْلُ عَلَى الْمَجَازِ لِتَجْتَمِعَ أَلْفَاظُ الْحَدِيثِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ لِأَنَّ مَخْرَجَهُ وَاحِدٌ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي حَدِيثِ أبي بكرَة عِنْد أَحْمد وبن مَاجَهْ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَيُعَذَّبُ فِي الْبَوْلِ وَمِثْلُهُ لِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَوْلُهُ مِنْ بَوْلِهِ يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي التَّرْجَمَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ قَوْله