وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَنَامَ الصَّادِقَ خَصْلَةٌ مِنْ خِصَالِ النُّبُوَّةِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ التُّؤَدَةُ وَالِاقْتِصَادُ وَحُسْنُ السَّمْتِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ أَيِ النُّبُوَّةُ مَجْمُوعُ خِصَالٍ مَبْلَغُ أَجْزَائِهَا ذَلِكَ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ جُزْءٌ مِنْهَا وَعَلَى مُقْتَضَى ذَلِكَ يَكُونُ كُلُّ جُزْءٍ مِنَ السِّتَّةِ وَالْعِشْرِينَ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ فَإِذَا ضَرَبْنَا ثَلَاثَةً فِي سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ انْتَهَتْ إِلَى ثَمَانِيَةٍ وَسَبْعِينَ فَيَصِحُّ لَنَا أَنَّ عَدَدَ خِصَالِ النُّبُوَّةِ مِنْ حَيْثُ آحَادُهَا ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ قَالَ وَيَصِحُّ أَنْ يُسَمَّى كُلُّ اثْنَيْنِ مِنْهَا جُزْءًا فَيَكُونُ الْعَدَدُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ وَيَصِحُّ أَنْ يُسَمَّى كُلُّ أَرْبَعَةٍ مِنْهَا جُزْءًا فَتَكُونُ تِسْعَةَ عَشَرَ جُزْءًا وَنِصْفَ جُزْءٍ فَيَكُونُ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ فِي الْعَدَدِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ اعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ اضْطِرَابٌ قَالَ وَهَذَا أَشْبَهُ مَا وَقَعَ لِي فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَنْشَرِحْ بِهِ الصَّدْرُ وَلَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ قُلْتُ وَتَمَامُهُ أَنْ يَقُولَ فِي الثَّمَانِيَةِ وَالسَّبْعِينَ بِالنِّسْبَةِ لِرِوَايَةِ السَّبْعِينَ أُلْغِيَ فِيهَا الْكَسْرُ وَفِي التِّسْعَةِ وَالثَّلَاثِينَ بِالنِّسْبَةِ لِرِوَايَةِ الْأَرْبَعِينَ جَبْرُ الْكَسْرِ وَلَا تَحْتَاجُ إِلَى الْعَدَدِ الْأَخِيرِ لِمَا فِيهِ مِنْ ذِكْرِ النِّصْفِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ الْأَعْدَادِ قَدْ أَشَارَ إِلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِحَسَبِ مَا يُقَدَّرُ مِنَ الْخِصَالِ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ ظَهَرَ لِي وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ النُّبُوَّةَ مَعْنَاهَا أَنَّ اللَّهَ يُطْلِعُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ عَلَى مَا يَشَاءُ مِنْ أَحْكَامِهِ وَوَحْيِهِ إِمَّا بِالْمُكَالَمَةِ وَإِمَّا بِوَاسِطَةِ الْمَلَكِ وَإِمَّا بِإِلْقَاءٍ فِي الْقَلْبِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ لَكِنَّ هَذَا الْمَعْنَى الْمُسَمَّى بِالنُّبُوَّةِ لَا يَخُصُّ اللَّهُ بِهِ إِلَّا مَنْ خَصَّهُ بِصِفَاتِ كَمَالِ نَوْعِهِ مِنَ الْمَعَارِفِ وَالْعُلُومِ وَالْفَضَائِلِ وَالْآدَابِ مَعَ تَنَزُّهِهِ عَنِ النَّقَائِصِ أُطْلِقَ عَلَى تِلْكَ الْخِصَالِ نُبُوَّةٌ كَمَا فِي حَدِيثِ التُّؤَدَةُ وَالِاقْتِصَادُ أَيْ تِلْكَ الْخِصَالُ مِنْ خِصَالِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَنْبِيَاءُ مَعَ ذَلِكَ مُتَفَاضِلُونَ فِيهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بعض النَّبِيين على بعض وَمَعَ ذَلِكَ فَالصِّدْقُ أَعْظَمُ أَوْصَافِهِمْ يَقَظَةً وَمَنَامًا فَمَنْ تَأَسَّى بِهِمْ فِي الصِّدْقِ حَصَلَ مِنْ رُؤْيَاهُ عَلَى الصِّدْقِ ثُمَّ لَمَّا كَانُوا فِي مَقَامَاتِهِمْ مُتَفَاوِتِينَ كَانَ أَتْبَاعُهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ كَذَلِكَ وَكَانَ أَقَلُّ خِصَالِ الْأَنْبِيَاءِ مَا إِذَا اعْتُبِرَ كَانَ سِتَّةً وَعِشْرِينَ جُزْءًا وَأَكْثَرُهَا مَا يَبْلُغُ سَبْعِينَ وَبَيْنَ الْعَدَدَيْنِ مَرَاتِبُ مُخْتَلِفَةٌ بِحَسَبِ مَا اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُ الرِّوَايَاتِ وَعَلَى هَذَا فَمَنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ فِي صَلَاحِهِ وَصِدْقِهِ عَلَى رُتْبَةٍ تُنَاسِبُ حَالَ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ كَانَتْ رُؤْيَاهُ جُزْءًا مِنْ نُبُوَّةِ ذَلِكَ النَّبِيِّ وَلَمَّا كَانَتْ كَمَالَاتُهُمْ مُتَفَاوِتَةً كَانَتْ نِسْبَةُ أَجْزَاءِ مَنَامَاتِ الصَّادِقِينَ مُتَفَاوِتَةً عَلَى مَا فَصَّلْنَاهُ قَالَ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ الِاضْطِرَابُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي جَمْرَةَ وَجْهًا آخَرَ مُلَخَّصُهُ أَنَّ النُّبُوَّةَ لَهَا وُجُوهٌ مِنَ الْفَوَائِدِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ خُصُوصًا وَعُمُومًا مِنْهَا مَا يُعْلَمُ وَمِنْهَا مَا لَا يعلم وَلَيْسَ بَيْنَ النُّبُوَّةِ وَالرُّؤْيَا نِسْبَةٌ إِلَّا فِي كَوْنِهَا حَقًّا فَيَكُونُ مَقَامُ النُّبُوَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِمَقَامِ الرُّؤْيَا بِحَسَبِ تِلْكَ الْأَعْدَادِ رَاجِعَةً إِلَى دَرَجَاتِ الْأَنْبِيَاءِ فَنِسْبَتُهَا مِنْ أَعْلَاهُمْ وَهُوَ مَنْ ضُمَّ لَهُ إِلَى النُّبُوَّةِ الرِّسَالَةُ أَكْثَرُ مَا وَرَدَ مِنَ الْعَدَدِ وَنِسْبَتُهَا إِلَى الْأَنْبِيَاءِ غَيْرِ الْمُرْسَلِينَ أَقَلُّ مَا وَرَدَ مِنَ الْعَدَدِ وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ أَطْلَقَ فِي الْخَبَرِ النُّبُوَّةَ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِنُبُوَّةِ نَبِيٍّ بِعَيْنِهِ وَرَأَيْتُ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ لِلْمَنَامِ شَبَهًا بِمَا حَصَلَ لِلنَّبِيِّ وَتَمَيَّزَ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ بِجُزْءٍ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا فَهَذِهِ عِدَّةُ مُنَاسَبَاتٍ لَمْ أَرَ مَنْ جَمَعَهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى مَا أَلْهَمَ وَعَلَّمَ وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَخْبَارِ عَلَى كَوْنِ الْإِلْهَامِ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ مَعَ أَنه من أَنْوَاع الْوَحْي إِلَّا أَن بن أَبِي جَمْرَةَ تَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْهُ كَمَا سَأَذْكُرُهُ فِي بَابِ مَنْ رَأَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ شَاءَ الله تَعَالَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015