(قَوْلُهُ بَابِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ الْآيَةَ)

كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ إِلَى قَوْلِهِ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَقَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُ الْعَهْدِ قَبْلَ خَمْسَةِ أَبْوَابٍ وَيُسْتَفَادُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ الْعَهْدَ غَيْرُ الْيَمِينِ لِعَطْفِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ فَفِيهِ حُجَّةٌ عَلَى مَنِ احْتَجَّ بِهَا بِأَنَّ الْعَهْدَ يَمِينٌ وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّ الْعُرْفَ جَرَى عَلَى أَنَّ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ وَالْكَفَالَةَ وَالْأَمَانَةَ أَيْمَانٌ لِأَنَّهَا مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ وَلَا يخفى مَا فِيهِ قَالَ بن بَطَّالٍ وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ اللَّهَ خَصَّ الْعَهْدَ بِالتَّقْدِمَةِ عَلَى سَائِرِ الْأَيْمَانِ فَدَلَّ عَلَى تَأَكُّدِ الْحَلِفِ بِهِ لِأَنَّ عَهْدَ اللَّهِ مَا أَخَذَهُ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا أَعْطَاهُ عِبَادُهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَمِنْهُم من عَاهَدَ الله الْآيَةَ لِأَنَّهُ قُدِّمَ عَلَى تَرْكِ الْوَفَاءِ بِهِ قَوْلُهُ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عرضة لأيمانكم كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ جلّ ذكره قَالَ بن التِّينِ وَغَيْرُهُ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ فَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ لَا تُكْثِرُوا الْحَلِفَ بِاللَّهِ وَإِنْ كُنْتُمْ بَرَرَةً وَفَائِدَةُ ذَلِكَ إِثْبَاتُ الْهَيْبَةِ فِي الْقُلُوبِ وَيُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حلاف مهين وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ هُوَ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَصِلَ رَحِمَهُ مَثَلًا فَيُقَالُ لَهُ صِلْ فَيَقُولُ قَدْ حَلَفْتُ وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى قَوْلِهِ أَنْ تَبَرُّوا كَرَاهَةَ أَنْ تَبَرُّوا فَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَيُكَفِّرَ انْتَهَى وَقَدْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ وَلَفْظُهُ لَا تَجْعَلِ اللَّهَ عُرْضَةً لِيَمِينِكَ أَنْ لَا تَصْنَعَ الْخَيْرَ وَلَكِنْ كَفِّرْ وَاصْنَعِ الْخَيْرَ وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ يَفْعَلَ نَوْعًا مِنَ الْخَيْرِ تَأْكِيدًا لَهُ بِيَمِينِهِ فَنُهِيَ عَنْ ذَلِكَ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ شَبِيهُ النَّهْيِ عَنِ النَّذْرِ كَمَا سَيَأْتِي نَظِيرُهُ وَعَلَى هَذَا فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرِ لَا قَالَ الرَّاغِبُ وَغَيْرُهُ الْعُرْضَةُ مَا يُجْعَلُ مُعَرَّضًا لِشَيْءٍ آخَرَ كَمَا قَالُوا بَعِيرٌ عُرْضَةٌ لِلسَّفَرِ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِر وَلَا تجعلني عُرْضَةً لِلَّوَائِمِ وَيَقُولُونَ فُلَانٌ عُرْضَةٌ لِلنَّاسِ أَيْ يَقَعُونَ فِيهِ وَفُلَانَةٌ عُرْضَةٌ لِلنِّكَاحِ إِذَا صَلُحَتْ لَهُ وَقَوِيَتْ عَلَيْهِ وَجَعَلْتُ فُلَانًا عُرْضَةً فِي كَذَا أَيْ أَقَمْتُهُ فِيهِ وَتُطْلَقُ الْعُرْضَةُ أَيْضًا عَلَى الْهِمَّةِ كَقَوْلِ حَسَّانَ هِيَ الْأَنْصَارُ عُرْضَتُهَا اللِّقَاءُ قَوْلُهُ وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا إِلَى قَوْلِهِ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015