الْحُدُودِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ بَيَّنْتُ ضَابِطَ الْكَبِيرَةِ وَالْخِلَافَ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ فِي الذُّنُوبِ صَغِيرًا وَكَبِيرًا وَأَكْبَرَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْأَدَبِ وَذَكَرْتُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَبَائِرِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ وَأَنَّهُ وَرَدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عِنْدَ أَحْمَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بِلَفْظِ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَأَنَّ لَهُ شَاهِدًا عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ وَذَكَرَ فِيهِ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ أَيْضًا وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الشِّرْكَ وَالْعُقُوقَ وَالْقَتْلَ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ وَإِنَّمَا كَفَّارَتُهَا التَّوْبَةُ مِنْهَا وَالتَّمْكِينُ مِنَ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ فَكَذَلِكَ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ حُكْمُهَا حُكْمُ مَا ذُكِرَتْ مَعَهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِذَلِكَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ مُخْتَلِفِ الْأَحْكَامِ جَائِزٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقه يَوْم حَصَاده وَالْإِيتَاءُ وَاجِبٌ وَالْأَكْلُ غَيْرُ وَاجِبٍ وَقَدْ أَخْرَجَ بن الْجَوْزِيّ فِي التَّحْقِيق من طَرِيق بن شَاهِينَ بِسَنَدِهِ إِلَى خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَيْسَ فِيهَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ صَبْرٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالًا بِغَيْرِ حَقٍّ وَظَاهِرُ سَنَدِهِ الصِّحَّةُ لَكِنَّهُ مَعْلُولٌ لِأَنَّ فِيهِ عَنْعَنَةَ بَقِيَّةَ فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَقَالَ فِي هَذَا السَّنَدِ عَنِ الْمُتَوَكِّلِ أَوْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ النَّاجِيَ الثِّقَةَ بَلْ آخَرُ مَجْهُولٌ وَأَيْضًا فَالْمَتْنُ مُخْتَصَرٌ وَلَفْظُهُ عِنْدَ أَحْمَدَ مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَخَمْسٌ لَيْسَ لَهَا كَفَّارَةٌ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَذَكَرَ فِي آخِرِهَا وَيَمِينٌ صَابِرَةٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالًا بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ ثُمَّ بن الْمُنْذر ثمَّ بن عَبْدِ الْبَرِّ اتِّفَاقَ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنْ لَا كَفَّارَةَ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ وَرَوَى آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ فِي مُسْنَدِ شُعْبَةَ وَإِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي فِي الاحكام عَن بن مَسْعُودٍ كُنَّا نَعُدُّ الذَّنْبَ الَّذِي لَا كَفَّارَةَ لَهُ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ عَلَى مَالِ أَخِيهِ كَاذِبًا لِيَقْتَطِعَهُ قَالَ وَلَا مُخَالِفَ لَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُكَفَّرَ وَأَجَابَ مَنْ قَالَ بِالْكَفَّارَةِ كَالْحَكَمِ وَعَطَاءٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَعْمَرٍ وَالشَّافِعِيِّ بِأَنَّهُ أَحْوَجُ لِلْكَفَّارَةِ مِنْ غَيْرِهِ وَبِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَزِيدُهُ إِلَّا خَيْرًا وَالَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ إِلَى الْحَقِّ ورد الْمظْلمَة فان لم يفعل وَكفر فَالْكَفَّارَةُ لَا تَرْفَعُ عَنْهُ حُكْمَ التَّعَدِّي بَلْ تَنْفَعهُ فِي الْجُمْلَة وَقد طعن بن حزم فِي صِحَة الْأَثر عَن بن مَسْعُودٍ وَاحْتَجَّ بِإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ فِيمَنْ تَعَمَّدَ الْجِمَاعَ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَفِيمَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ قَالَ وَلَعَلَّهُمَا أَعْظَمُ إِثْمًا مِنْ بَعْضِ مَنْ حَلَفَ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ أَوْجَبَ الْمَالِكِيَّةُ الْكَفَّارَةَ عَلَى مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَزْنِيَ ثُمَّ زَنَى وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمِنْ حُجَّةِ الشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْمَاضِي فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ فَأَمَرَ مَنْ تَعَمَّدَ الْحِنْثَ أَنْ يُكَفِّرَ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَشْرُوعِيَّةُ الْكَفَّارَةِ لِمَنْ حَلَفَ حَانِثًا