وَأَبِيهِ مِنْ قَوْلِهِ وَاللَّهِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ وَلَكِنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَقَدْ ثَبَتَ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ لَفْظِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي قِصَّةِ السَّارِقِ الَّذِي سَرَقَ حُلِيَّ ابْنَتِهِ فَقَالَ فِي حَقِّهِ وَأَبِيكَ مَا لَيْلُكَ بِلَيْلِ سَارِقٍ أَخْرَجَهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ قَالَ السُّهَيْلِيُّ وَقَدْ وَرَدَ نَحْوُهُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ مَرْفُوعٌ قَالَ لِلَّذِي سَأَلَ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ فَقَالَ وَأَبِيكَ لَتُنَبَّأَنَّ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَيُجَابُ بِأَجْوِبَةٍ الْأَوَّلُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ كَانَ يَجْرِي عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدُوا بِهِ الْقَسَمَ وَالنَّهْيُ إِنَّمَا وَرَدَ فِي حَقِّ مَنْ قَصَدَ حَقِيقَةَ الْحَلِفِ وَإِلَى هَذَا جَنَحَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ إِنَّهُ الْجَوَابُ الْمَرَضِيُّ الثَّانِي أَنَّهُ كَانَ يَقَعُ فِي كَلَامِهِمْ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا لِلتَّعْظِيمِ وَالْآخَرُ لِلتَّأْكِيدِ وَالنَّهْيُ إِنَّمَا وَقَعَ عَنِ الْأَوَّلِ فَمِنْ أَمْثِلَةِ مَا وَقَعَ فِي كَلَامِهِمْ لِلتَّأْكِيدِ لَا لِلتَّعْظِيمِ قَوْلُ الشَّاعِرِ لَعَمْرُ أَبِي الْوَاشِينَ إِنِّي أُحِبُّهَا وَقَوْلُ الْآخَرِ فَإِنْ تَكُ لَيْلَى اسْتَوْدَعَتْنِي أَمَانَةً فَلَا وَأَبِي أَعْدَائِهَا لَا أُذِيعُهَا فَلَا يُظَنُّ أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ قَصَدَ تَعْظِيمَ وَالِدِ أَعْدَائِهَا كَمَا لَمْ يَقْصِدِ الْآخَرُ تَعْظِيمَ وَالِدِ مَنْ وَشَى بِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَصْدَ بِذَلِكَ تَأْكِيدُ الْكَلَامِ لَا التَّعْظِيمُ وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ هَذَا اللَّفْظُ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُزَادُ فِي الْكَلَامِ لِمُجَرَّدِ التَّقْرِيرِ وَالتَّأْكِيدِ وَلَا يُرَادُ بِهِ الْقَسَمُ كَمَا تُزَادُ صِيغَةُ النِّدَاءِ لِمُجَرَّدِ الِاخْتِصَاصِ دُونَ الْقَصْدِ إِلَى النِّدَاءِ وَقَدْ تُعُقِّبَ الْجَوَابُ بِأَنَّ ظَاهِرَ سِيَاقِ حَدِيثِ عُمَرَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُحَلِّفُهُ لِأَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَا وَأَبِي لَا وَأَبِي فَقِيلَ لَهُ لَا تَحْلِفُوا فَلَوْلَا أَنَّهُ أَتَى بِصِيغَةِ الْحَلِفِ مَا صَادَفَ النَّهْيُ مَحَلًّا وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ الْجَوَابُ الثَّالِثُ إِنَّ هَذَا كَانَ جَائِزًا ثُمَّ نُسِخَ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَحَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ السُّبْكِيُّ أَكثر الشُّرَّاح عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ بن الْعَرَبِيِّ وَرُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ حَتَّى نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ وَتَرْجَمَةُ أَبِي دَاوُدَ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ يَعْنِي قَوْلَهُ بَابُ الْحَلِفِ بِالْآبَاءِ ثُمَّ أَوْرَدَ الْحَدِيثَ الْمَرْفُوعَ الَّذِي فِيهِ أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ قَالَ السُّهَيْلِيُّ وَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يُظَنُّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَحْلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ وَلَا يُقْسِمُ بِكَافِرٍ تَاللَّهِ إِنَّ ذَلِكَ لَبَعِيدٌ مِنْ شِيمَتِهِ وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ دَعْوَى النّسخ ضَعِيفَة لَا مَكَان الْجَمْعِ وَلِعَدَمِ تَحَقُّقِ التَّارِيخِ وَالْجَوَابُ الرَّابِعُ أَنَّ فِي الْجَوَابِ حَذْفًا تَقْدِيرُهُ أَفْلَحَ وَرَبِّ أَبِيهِ قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخَامِسُ أَنَّهُ لِلتَّعَجُّبِ قَالَهُ السُّهَيْلِيُّ قَالَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِلَفْظِ أَبِي وَإِنَّمَا وَرَدَ بِلَفْظِ وَأَبِيهِ أَوْ وَأَبِيكَ بِالْإِضَافَةِ إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا السَّادِسُ أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالشَّارِعِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ أُمَّتِهِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْخَصَائِصَ لَا تَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ مُطْلَقًا لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ سَوَاءً كَانَ الْمَحْلُوفُ بِهِ يَسْتَحِقُّ التَّعْظِيمَ لِمَعْنًى غَيْرِ الْعِبَادَةِ كَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ وَالْمُلُوكِ وَالْآبَاءِ وَالْكَعْبَةِ أَوْ كَانَ لَا يَسْتَحِقُّ التَّعْظِيمَ كَالْآحَادِ أَوْ يَسْتَحِقُّ التَّحْقِيرَ وَالْإِذْلَالَ كَالشَّيَاطِينِ وَالْأَصْنَامِ وَسَائِرِ مَنْ عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَاسْتَثْنَى بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ مِنْ ذَلِكَ الْحَلِفُ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ تَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ فَاعْتَلَّ بِكَوْنِهِ أَحَدُ رُكْنَيِ الشَّهَادَةِ الَّتِي لَا تَتِمُّ إِلَّا بِهِ وَأَطْلَقَ بن الْعَرَبِيِّ نِسْبَتَهُ لِمَذْهَبِ أَحْمَدَ وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّ الْأَيْمَانَ عِنْد احْمَد لَا يتم إِلَّا بِفِعْلِ الصَّلَاةِ فَيَلْزَمُهُ أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِالصَّلَاةِ أَنْ تَنْعَقِدَ يَمِينُهُ وَيَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إِذَا حَنِثَ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ إِيرَادِهِ وَالِانْفِصَالُ عَمَّا أَلْزَمَهُمْ بِهِ وَفِيهِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ قَالَ إِنْ فَعَلْتُ كَذَا فَهُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ كَافِرٌ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ يَمِينًا وَمَتَى فَعَلَ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَقَدْ نُقِلَ ذَلِكَ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنَ الْخَبَرِ أَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ بِاللَّهِ وَلَا بِمَا يَقُومُ مَقَامَ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ بَعْدُ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ قَالَ أَقْسَمْتُ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا لَا يَكُونُ يَمِينًا وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَكُونُ يَمِينًا وَكَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَنْوِيَ بِذَلِكَ الْحَلِفَ بِاللَّهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إِنْ قَالَ عَلَيَّ