مَاتَ عَلَيْهَا قَالَ وَهِيَ حَالَةٌ سَلِيمَةٌ مِنَ الْغِنَى الْمُطْغِي وَالْفَقْرِ الْمُؤْلِمِ وَأَيْضًا فَصَاحِبُهَا مَعْدُودٌ فِي الْفُقَرَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَتَرَّفَهُ فِي طَيِّبَاتِ الدُّنْيَا بَلْ يُجَاهِدُ نَفْسَهُ فِي الصَّبْرِ عَنِ الْقَدْرِ الزَّائِدِ عَلَى الْكَفَافِ فَلَمْ يَفُتْهُ مِنْ حَالِ الْفَقْرِ إِلَّا السَّلَامَةُ مِنْ قَهْرِ الْحَاجَةِ وَذُلِّ الْمَسْأَلَةِ انْتَهَى وَيُؤَيِّدُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنَ التَّرْغِيبِ فِي غِنَى النَّفْسِ وَمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ وَارْضَ بِمَا قَسَمَ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ وَأَصَحُّ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَفَعَهُ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ هُدِيَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَرُزِقَ الْكَفَافَ وَقَنِعَ وَلَهُ شَاهِدٌ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ نَحْوَهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيّ وبن حِبَّانَ وَصَحَّحَاهُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ فَضِيلَةُ هَذِهِ الْأَوْصَافِ وَالْكَفَافُ الْكِفَايَةُ بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ هُوَ مَا يَكُفُّ عَنِ الْحَاجَاتِ وَيدْفَع للضرورات وَلَا يُلْحِقُ بِأَهْلِ التَّرَفُّهَاتِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ مَنِ اتَّصَفَ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ حَصَلَ عَلَى مَطْلُوبِهِ وَظَفِرَ بِمَرْغُوبِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا أَيِ اكْفِهِمْ مِنَ الْقُوتِ بِمَا لَا يُرْهِقُهُمْ إِلَى ذُلِّ الْمَسْأَلَةِ وَلَا يَكُونُ فِيهِ فُضُولٌ تَبْعَثُ عَلَى التَّرَفُّهِ وَالتَّبَسُّطِ فِي الدُّنْيَا وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ فَضَّلَ الْكَفَافَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَدْعُو لِنَفْسِهِ وَآلِهِ بِأَفْضَلِ الْأَحْوَالِ وَقَدْ قَالَ خَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا انْتَهَى وَيُؤَيِّدُهُ مَا أخرجه بن الْمُبَارَكِ فِي الزُّهْدِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَلِيلِ الْعَمَلِ قَلِيلِ الذُّنُوبِ أَفْضَلُ أَوْ رَجُلٌ كَثِيرُ الْعَمَلِ كَثِيرُ الذُّنُوبِ فَقَالَ لَا أَعْدِلُ بِالسَّلَامَةِ شَيْئًا فَمَنْ حَصَلَ لَهُ مَا يَكْفِيهِ وَاقْتَنَعَ بِهِ أَمِنَ مِنْ آفَاتِ الْغِنَى وَآفَاتِ الْفَقْرِ وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثٌ لَوْ صَحَّ لَكَانَ نَصًّا فِي الْمَسْأَلَة وَهُوَ مَا أخرجه بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ نُفَيْعٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ مَا مِنْ غَنِيٍّ وَلَا فَقِيرٍ إِلَّا وَدَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّهُ أُوتِيَ مِنَ الدُّنْيَا قُوتًا قُلْتُ وَهَذَا كُلُّهُ صَحِيحٌ لَكِنْ لَا يَدْفَعُ أَصْلَ السُّؤَالِ عَنْ أَيِّهِمَا أَفْضَلُ الْغِنَى أَوِ الْفَقْرُ لِأَنَّ النِّزَاعَ إِنَّمَا وَرَدَ فِي حَقِّ مَنِ اتَّصَفَ بِأَحَدِ الْوَصْفَيْنِ أَيُّهُمَا فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ وَلِهَذَا قَالَ الدَاوُدِيُّ فِي آخِرِ كَلَامِهِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا إِنَّ السُّؤَالَ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ لَا يَسْتَقِيمُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ مَا لَيْسَ لِلْآخَرِ فَيَكُونُ أَفْضَلَ وَإِنَّمَا يَقَعُ السُّؤَالُ عَنْهُمَا إِذَا اسْتَوَيَا بِحَيْثُ يَكُونُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنَ الْعَمَلِ مَا يُقَاوِمُ بِهِ عَمَلَ الْآخَرِ قَالَ فَعِلْمُ أَيُّهُمَا أفضل عِنْد الله انْتهى وَكَذَا قَالَ بن تَيْمِيَةَ لَكِنْ قَالَ إِذَا اسْتَوَيَا فِي التَّقْوَى فَهُمَا فِي الْفَضْلِ سَوَاءٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ بن دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ أَهْلِ الدُّثُورِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْجُمُعَةِ وَمُحَصَّلُ كَلَامِهِ أَنَّ الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى تَفْضِيلِ الْغِنَى عَلَى الْفَقْرِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ زِيَادَةِ الثَّوَابِ بِالْقُرَبِ الْمَالِيَّةِ إِلَّا إِنْ فَسَّرَ الْأَفْضَلَ بِمَعْنَى الْأَشْرَفِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى صِفَات النَّفس فَالَّذِي يحصل لِلنَّفْسِ مِنَ التَّطْهِيرِ لِلْأَخْلَاقِ وَالرِّيَاضَةِ لِسُوءِ الطِّبَاعِ بِسَبَبِ الْفَقْرِ أَشْرَفُ فَيَتَرَجَّحُ الْفَقْرُ وَلِهَذَا الْمَعْنَى ذَهَبَ جُمْهُورُ الصُّوفِيَّةِ إِلَى تَرْجِيحِ الْفَقِيرِ الصَّابِرِ لِأَنَّ مَدَارَ الطَّرِيقِ عَلَى تَهْذِيبِ النَّفْسِ وَرِيَاضَتِهَا وَذَلِكَ مَعَ الْفَقْرِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي الْغِنَى انْتهى وَقَالَ بن الْجَوْزِيِّ صُورَةُ الِاخْتِلَافِ فِي فَقِيرٍ لَيْسَ بِحَرِيصٍ وَغَنِيٍّ لَيْسَ بِمُمْسِكٍ إِذْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْفَقِيرَ الْقَانِعَ أَفْضَلُ مِنَ الْغَنِيِّ الْبَخِيلِ وَأَنَّ الْغَنِيَّ الْمُنْفِقَ أَفْضَلُ مِنَ الْفَقِيرِ الْحَرِيصِ قَالَ وَكُلُّ مَا يُرَادُ لِغَيْرِهِ وَلَا يُرَادُ لِعَيْنِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ إِلَى مَقْصُودِهِ فَبِهِ يَظْهَرُ فَضْلُهُ فَالْمَالُ لَيْسَ مَحْذُورًا لِعَيْنِهِ بَلْ لِكَوْنِهِ قَدْ يَعُوقُ عَنِ اللَّهِ وَكَذَا الْعَكْسُ فَكَمْ مِنْ غَنِيٍّ لَمْ يَشْغَلْهُ غِنَاهُ عَنِ اللَّهِ وَكَمْ مِنْ فَقِيرٍ شَغَلَهُ فَقْرُهُ عَنِ اللَّهِ إِلَى أَنْ قَالَ وَإِنْ أَخَذْتَ بِالْأَكْثَرِ فَالْفَقِيرُ عَنِ الْخَطَرِ أَبْعَدُ لِأَنَّ فِتْنَةَ الْغِنَى أَشَدُّ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ وَمِنَ الْعِصْمَةِ أَنْ لَا تَجِدَ انْتَهَى وَصَرَّحَ كَثِيرٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ الْغَنِيَّ الشَّاكِرَ أَفْضَلُ وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاقِ شَيْخِ أَبِي الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيِّ الْغَنِيُّ أَفْضَلُ مِنَ الْفَقِيرِ لِأَنَّ الْغِنَى صِفَةُ الْخَالِقِ وَالْفَقْرُ صفة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015