نِفَاقِ الْكُفْرِ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّحَ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْمُخَرَّجِ عِنْدَ أَحْمَدَ مَرْفُوعًا قَالَ وَيْلٌ لِلْمُصِرِّينَ الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَيْ يَعْلَمُونَ أَنَّ مَنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ لَا يَسْتَغْفِرُونَ قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ وَلِلتِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ مَرْفُوعًا مَا أَصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ وَإِنْ عَادَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً إِسْنَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا حَسَنٌ قَوْلُهُ عَلَى التَّقَاتُلِ كَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِحَدِيثِ الْبَابِ وَفِي بَعْضِهَا عَلَى النِّفَاقِ وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ وَإِنْ لَمْ تثبت بِهِ الرِّوَايَة

[48] قَوْله زبيد تقدم أَنه بالزاى وَالْمُوَحَّدَة مُصَغرًا وَهُوَ بن الْحَارِثِ الْيَامِيُّ بِيَاءٍ تَحْتَانِيَّةٍ وَمِيمٍ خَفِيفَةٍ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ شُعْبَةُ أَيْضًا عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ وَهُوَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الْأَدَبِ وَعَنِ الْأَعْمَشِ وَهُوَ عِنْد مُسلم وَرَوَاهُ بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الثَّلَاثَةِ جَمِيعًا عَنْ أَبِي وَائِلٍ وَقَالَ بن مَنْدَهْ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي رَفْعِهِ عَنْ زُبَيْدٍ وَاخْتُلِفَ عَلَى الْآخَرِينَ وَرَوَاهُ عَنْ زُبَيْدٍ غَيْرُ شُعْبَةَ أَيْضًا عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ سَأَلْتُ أَبَا وَائِلٍ عَنِ الْمُرْجِئَةِ أَيْ عَنْ مَقَالَةِ الْمُرْجِئَةِ وَلِأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ زُبَيْدٍ قَالَ لَمَّا ظَهَرَتِ الْمُرْجِئَةُ أَتَيْتُ أَبَا وَائِلٍ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ سُؤَالَهُ كَانَ عَنْ مُعْتَقَدِهِمْ وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ حِينَ ظُهُورِهِمْ وَكَانَتْ وَفَاةُ أَبِي وَائِلٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَقِيلَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ فَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بِدْعَةَ الْإِرْجَاءِ قَدِيمَةٌ وَقَدْ تَابَعَ أَبَا وَائِلٍ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَبْدُ الرَّحْمَنَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مُصَحَّحًا وَلَفْظُهُ قِتَالُ الْمُسْلِمِ أَخَاهُ كُفْرٌ وَسِبَابُهُ فُسُوقٌ وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَيْضًا مَرْفُوعًا فَانْتَفَتْ بِذَلِكَ دَعْوَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ أَبَا وَائِلٍ تَفَرَّدَ بِهِ قَوْلُهُ سِبَابُ هُوَ بِكَسْرِ السِّينِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ مَصْدَرٌ يُقَالُ سَبَّ يَسُبُّ سَبًّا وَسِبَابًا وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ السِّبَابُ أَشَدُّ مِنَ السَّبِّ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ مَا فِيهِ وَمَا لَيْسَ فِيهِ يُرِيدُ بِذَلِكَ عَيْبَهُ وَقَالَ غَيْرُهُ السِّبَابُ هُنَا مِثْلُ الْقِتَالِ فَيَقْتَضِي الْمُفَاعَلَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بِأَوْضَحَ مِنْ هَذَا فِي بَابِ الْمَعَاصِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ قَوْلُهُ الْمُسْلِمُ كَذَا فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ وَلِأَحْمَدَ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ الْمُؤْمِنُ فَكَأَنَّهُ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى قَوْلُهُ فُسُوقٌ الْفِسْقُ فِي اللُّغَةِ الْخُرُوجُ وَفِي الشَّرْعِ الْخُرُوجُ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَهُوَ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ أَشَدُّ مِنَ الْعِصْيَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَكره إِلَيْكُم الْكفْر والفسوق والعصيان فَفِي الْحَدِيثِ تَعْظِيمُ حَقِّ الْمُسْلِمِ وَالْحُكْمُ عَلَى مَنْ سَبَّهُ بِغَيْرِ حَقٍّ بِالْفِسْقِ وَمُقْتَضَاهُ الرَّدُّ عَلَى الْمُرْجِئَةِ وَعُرِفَ مِنْ هَذَا مُطَابَقَةُ جَوَابِ أَبِي وَائِلٍ لِلسُّؤَالِ عَنْهُمْ كَأَنَّهُ قَالَ كَيْفَ تَكُونُ مَقَالَتُهُمْ حَقًّا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هَذَا قَوْلُهُ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ إِنْ قِيلَ هَذَا وَإِنْ تَضَمَّنَ الرَّدَّ عَلَى الْمُرْجِئَةِ لَكِنَّ ظَاهِرَهُ يُقَوِّي مَذْهَبَ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ بِالْمَعَاصِي فَالْجَوَابُ إِنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُبْتَدِعِ اقْتَضَتْ ذَلِكَ وَلَا مُتَمَسَّكَ لِلْخَوَارِجِ فِيهِ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ غَيْرُ مُرَادٍ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْقِتَالُ أَشَدَّ مِنَ السِّبَابِ لِأَنَّهُ مُفْضٍ إِلَى إِزْهَاقِ الرُّوحِ عَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظٍ أَشَدَّ مِنْ لَفْظِ الْفِسْقِ وَهُوَ الْكُفْرُ وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ الْكُفْرِ الَّتِي هِيَ الْخُرُوجُ عَنِ الْمِلَّةِ بَلْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ الْكُفْرَ مُبَالَغَةً فِي التَّحْذِيرِ مُعْتَمِدًا عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنَ الْقَوَاعِدِ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يُخْرِجُ عَنِ الْمِلَّةَ مِثْلُ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ وَمِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْمَعَاصِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ الْكُفْرَ لِشَبَهِهِ بِهِ لِأَنَّ قِتَالَ الْمُؤْمِنِ مِنْ شَأْنِ الْكَافِرِ وَقِيلَ الْمُرَادُ هُنَا الْكُفْرُ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ التَّغْطِيَةُ لِأَنَّ حَقَّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُعِينَهُ وَيَنْصُرَهُ وَيَكُفَّ عَنْهُ أَذَاهُ فَلَمَّا قَاتَلَهُ كَانَ كَأَنَّهُ غَطَّى عَلَى هَذَا الْحَقِّ وَالْأَوَّلَانِ أَلْيَقُ بِمُرَادِ الْمُصَنِّفِ وَأَوْلَى بِالْمَقْصُودِ مِنَ التَّحْذِيرِ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ وَالزَّجْرِ عَنْهُ بِخِلَافِ الثَّالِثِ وَقيل أَرَادَ بقوله كفر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015