وَجَدَ مَاهِيَّةَ التَّحْدِيثِ كَذَبَ وَقِيلَ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْخِصَالُ وَتَهَاوَنَ بِهَا وَاسْتَخَفَّ بِأَمْرِهَا فَإِنَّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ فَاسِدَ الِاعْتِقَادِ غَالِبًا وَهَذِهِ الْأَجْوِبَةُ كُلُّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ اللَّامَ فِي الْمُنَافِقِ لِلْجِنْسِ وَمِنْهُمْ مَنِ ادَّعَى أَنَّهَا لِلْعَهْدِ فَقَالَ إِنَّهُ وَرَدَ فِي حَقِّ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ أَوْ فِي حَقِّ الْمُنَافِقِينَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَمَسَّكَ هَؤُلَاءِ بِأَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ جَاءَتْ فِي ذَلِكَ لَوْ ثَبَتَ شَيْءٌ مِنْهَا لَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ وَأَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ مَا ارْتَضَاهُ الْقُرْطُبِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

[34] قَوْلُهُ تَابَعَهُ شُعْبَةُ وَصَلَ الْمُؤَلِّفُ هَذِهِ الْمُتَابَعَةَ فِي كِتَابِ الْمَظَالِمِ وَرِوَايَةُ قَبِيصَةَ عَنْ سُفْيَانَ وَهُوَ الثَّوْرِيُّ ضَعَّفَهَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَقَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ إِنَّمَا أَوْرَدَهَا الْبُخَارِيُّ عَلَى طَرِيقِ الْمُتَابَعَةِ لَا الْأَصَالَةِ وَتَعَقَّبَهُ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّهَا مُخَالِفَةٌ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى مِنْ عِدَّةِ جِهَاتٍ فَكَيْفَ تَكُونُ مُتَابَعَةً وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُتَابَعَةِ هُنَا كَوْنُ الْحَدِيثِ مُخَرَّجًا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ طُرُقِ أُخْرَى عَنِ الثَّوْرِيِّ وَعِنْدَ الْمُؤَلِّفِ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى عَنِ الْأَعْمَشِ مِنْهَا رِوَايَةُ شُعْبَةَ الْمُشَارُ إِلَيْهَا وَهَذَا هُوَ السِّرُّ فِي ذِكْرِهَا هُنَا وَكَأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُتَابَعَةِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِذْ لَوْ أَرَادَهُ لَسَمَّاهُ شَاهِدًا وَأَمَّا دَعْوَاهُ أَنَّ بَيْنَهُمَا مُخَالَفَةً فِي الْمَعْنَى فَلَيْسَ بِمُسَلَّمٍ لِمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا وَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ فِي أَحَدِهِمَا زِيَادَةٌ وَهِيَ مَقْبُولَةٌ لِأَنَّهَا مِنْ ثِقَةٍ مُتْقِنٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَائِدَةٌ رِجَالُ الْإِسْنَادِ الثَّانِي كُلُّهُمْ كُوفِيُّونَ إِلَّا الصَّحَابِيَّ وَقَدْ دَخَلَ الْكُوفَةَ أَيْضًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(قَوْلُهُ بَابُ قِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ مِنَ الْإِيمَانِ)

لَمَّا بَيَّنَ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ وَقَبَّحَهَا رَجَعَ إِلَى ذِكْرِ عَلَامَاتِ الْإِيمَانِ وَحَسَّنَهَا لِأَنَّ الْكَلَامَ عَلَى مُتَعَلَّقَاتِ الْإِيمَانِ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْأَصَالَةِ وَإِنَّمَا يَذْكُرُ مُتَعَلَّقَاتِ غَيْرِهِ اسْتِطْرَادًا ثُمَّ رَجَعَ فَذَكَرَ أَنَّ قِيَامَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَقِيَامَ رَمَضَانَ وَصِيَامَ رَمَضَانَ مِنَ الْإِيمَانِ وَأَوْرَدَ الثَّلَاثَةُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مُتَّحِدَاتُ الْبَاعِثِ وَالْجَزَاءِ وَعَبَّرَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ بِالْمُضَارِعِ فِي الشَّرْطِ وَبِالْمَاضِي فِي جَوَابِهِ بِخِلَافِ الْآخَرَيْنِ فَبِالْمَاضِي فِيهِمَا وَأَبْدَى الْكِرْمَانِيُّ لِذَلِكَ نُكْتَةً لَطِيفَةً قَالَ لِأَنَّ قِيَامَ رَمَضَانَ مُحَقَّقُ الْوُقُوعِ وَكَذَا صِيَامُهُ بِخِلَافِ قِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ فَلِهَذَا ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْمُسْتَقْبَلِ انْتَهَى كَلَامُهُ وَفِيهِ شَيْءٌ سَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ وَقَالَ غَيْرُهُ اسْتَعْمَلَ لَفْظَ الْمَاضِي فِي الْجَزَاءِ إِشَارَةً إِلَى تَحَقُّقِ وُقُوعِهِ فَهُوَ نَظِيرُ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ وَفِي اسْتِعْمَالِ الشَّرْطِ مُضَارِعًا وَالْجَوَابِ مَاضِيًا نِزَاعٌ بَيْنَ النُّحَاةِ فَمَنَعَهُ الْأَكْثَرُ وَأَجَازَهُ آخَرُونَ لَكِنْ بِقِلَّةٍ اسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَظَلَّتْ بِلَفْظِ الْمَاضِي وَهُوَ تَابِعٌ لِلْجَوَابِ وَتَابِعُ الْجَوَابِ جَوَابٌ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَعِنْدِي فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ نَظَرٌ لِأَنَّنِي أَظُنُّهُ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ فِيهِ مَشْهُورَةٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ فِي الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ أَبِي الْيَمَانَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَلَمْ يُغَايِرْ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ بَلْ قَالَ مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ يُغْفَرُ لَهُ وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ عَنْ سُلَيْمَانَ وَهُوَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ نَجْدَةَ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ وَلَفْظُهُ زَائِدٌ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فَقَالَ لَا يَقُومُ أَحَدُكُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015