تَقَدَّمَ مَعْنَى اللِّعَانِ قَبْلُ وَهُوَ يَنْقَسِمُ إِلَى وَاجِبٍ وَمَكْرُوهٍ وَحَرَامٍ فَالْأَوَّلُ أَنْ يَرَاهَا تَزْنِي أَوْ أَقَرَّتْ بِالزَّنَا فَصَدَّقَهَا وَذَلِكَ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ ثُمَّ اعْتَزَلَهَا مُدَّةَ الْعِدَّةِ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لَزِمَهُ قَذْفُهَا لِنَفْيِ الْوَلَدِ لِئَلَّا يَلْحَقَهُ فَيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْمَفَاسِدُ الثَّانِي أَنْ يَرَى أَجْنَبِيًّا يَدْخُلُ عَلَيْهَا بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ لَكِنْ لَوْ تَرَكَ لَكَانَ أَوْلَى لِلسَّتْرِ لِأَنَّهُ يُمَكِّنُهُ فِرَاقُهَا بِالطَّلَاقِ الثَّالِثِ مَا عَدَا ذَلِكَ لَكِنْ لَوِ اسْتَفَاضَ فَوَجْهَانِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فَمَنْ أَجَازَ تَمَسَّكَ بِحَدِيثِ انْظُرُوا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ فَجَعَلَ الشَّبَهَ دَالًّا عَلَى نَفْيهِ مِنْهُ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ سَبَقَ اللِّعَانَ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَمن منع تَمَسَّكَ بِحَدِيثِ الَّذِي أَنْكَرَ شَبَهَ وَلَدِهِ بِهِ قَوْلُهُ وَمَنْ طَلَّقَ أَيْ بَعْدَ أَنْ لَاعَنَ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِشَارَةٌ إِلَى الْخِلَافِ هَلْ تَقَعُ الْفُرْقَةُ فِي اللِّعَانِ بِنَفْسِ اللِّعَانِ أَوْ بِإِيقَاعِ الْحَاكِمِ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَوْ بِإِيقَاعِ الزَّوْجِ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُمَا إِلَى أَنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ بِنَفْسِ اللِّعَانِ قَالَ مَالِكٌ وَغَالِبُ أَصْحَابِهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْمَرْأَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَتْبَاعُهُ وَسَحْنُونُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ بَعْدَ فَرَاغِ الزَّوْجِ وَاعْتُلَّ بِأَنَّ الْتِعَانَ الْمَرْأَةِ إِنَّمَا شُرِعَ لِدَفْعِ الْحَدِّ عَنْهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ فَإِنَّهُ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ فِي حَقِّهِ نَفْيُ النَّسَبِ وَلَحَاقِ الْوَلَدِ وَزَوَالِ الْفِرَاشِ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي التَّوَارُثِ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا عَقِبَ فَرَاغِ الرَّجُلِ وَفِيمَا إِذَا علق طَلَاق امْرَأَةً بِفِرَاقِ أُخْرَى ثُمَّ لَاعَنَ الْأُخْرَى وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَتْبَاعُهُمَا لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ حَتَّى يُوقِعَهَا عَلَيْهِمَا الْحَاكِمُ وَاحْتَجُّوا بِظَاهِرِ مَا وَقَعَ فِي أَحَادِيثِ اللِّعَانِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ وَسَيَأْتِي مَزِيدُ بَحْثٍ فِي ذَلِكَ بَعْدَ خَمْسَةِ أَبْوَابٍ وَذَهَبَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ أَنَّهُ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ حَتَّى يُوقِعَهَا الزَّوْجُ وَاعْتَلَّ بِأَنَّ الْفُرْقَةَ لَمْ تُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ وَلِأَنَّ ظَاهِرَ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الَّذِي طَلَّقَ ابْتِدَاءً وَيُقَالُ إِنَّ عُثْمَانَ تَفَرَّدَ بِذَلِكَ لَكِنْ نَقَلَ الطَّبَرِيُّ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بن زيد الْبَصْرِيّ أحد أَصْحَاب بن عَبَّاسٍ مِنْ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ نَحْوَهُ وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّ الْفُرْقَةَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ تَقَعُ بِنَفْسِ الْقَذْفِ وَلَوْ لَمْ يَقَعِ اللِّعَانُ وَكَأَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى وُجُوبِ اللِّعَانِ عَلَى مَنْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ مِنَ الْمَرْأَةِ فَإِذَا أَخَلَّ بِهِ عُوقِبَ بالفرقة تَغْلِيظًا عَلَيْهِ
[5308] قَوْله عَن بن شِهَابٍ فِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ عَنْ مَالِكٍ حَدَّثَنِي بن شِهَابٍ قَوْلُهُ أَنَّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانِيَّ فِي رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ عُوَيْمِرُ بْنُ أَشْقَرَ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْفِهْرِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَوَقَعَ فِي الِاسْتِيعَابِ عُوَيْمِرُ بْنُ أَبْيَضَ وَعِنْدَ الْخَطِيبِ فِي الْمُبْهَمَاتِ عُوَيْمِرُ بْنُ الْحَارِثِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَإِنَّ الطَّبَرِيَّ نَسَبَهُ فِي تَهْذِيبِ الْآثَارِ فَقَالَ هُوَ عُوَيْمِرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْجَدِّ بْنِ عَجْلَانَ فَلَعَلَّ أَبَاهُ كَانَ يُلَقَّبُ أَشْقَرَ أَوْ أَبْيَضَ وَفِي الصَّحَابَةِ بن أشقر آخر وَهُوَ مازني أخرج لَهُ بن ماجة واتفقت الرِّوَايَات عَن بن شِهَابٍ عَلَى أَنَّهُ فِي مُسْنَدِ سَهْلٍ إِلَّا مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ فِيهِ عَنْ سَهْلٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ كَانَ عُوَيْمِرٌ رَجُلًا مِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ فَقَالَ أَيْ عَاصِمٌ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَالْمَحْفُوظُ الْأَوَّلُ وَسَيَأْتِي عَنْ سَهْلٍ أَنَّهُ حَضَرَ الْقِصَّةَ فَسَتَأْتِي فِي الْحُدُودِ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ قَالَ سهل بن سعد شهِدت المتلاعنين وَأَنا بن خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةٍ وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ أَبِي الْيَمَانِ عَنْ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بن خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قِصَّةَ اللِّعَانِ كَانَتْ فِي السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ جزم الطَّبَرِيّ وَأَبُو حَاتِم وبن حِبَّانَ بِأَنَّ اللِّعَانَ كَانَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْعٍ وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّ قِصَّةَ اللِّعَانِ كَانَتْ بِمُنْصَرَفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَبُوكَ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ الطَّبَرِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ