أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ الرَّجُلُ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَنُسِخَ ذَلِكَ وَقَدْ أَنْكَرَ الْمَازِرِيُّ ادِّعَاءَ النَّسْخِ فَقَالَ زعم بَعضهم أَن هذاالحكم مَنْسُوخٌ وَهُوَ غَلَطٌ فَإِنَّ عُمَرَ لَا يَنْسَخُ وَلَوْ نَسَخَ وَحَاشَاهُ لَبَادَرَ الصَّحَابَةُ إِلَى إِنْكَارِهِ وَإِنْ أَرَادَ الْقَائِلُ أَنَّهُ نُسِخَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَمْتَنِعُ لَكِنْ يَخْرُجُ عَنْ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِلرَّاوِي أَنْ يُخْبِرَ بِبَقَاءِ الْحُكْمِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَبَعْضِ خِلَافَةِ عُمَرَ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ يُجْمِعُ الصَّحَابَةُ وَيُقْبَلُ مِنْهُمْ ذَلِكَ قُلْنَا إِنَّمَا يُقْبَلُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى نَاسِخٍ وَأَمَّا أَنَّهُمْ يَنْسَخُونَ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ فَمَعَاذَ اللَّهِ لِأَنَّهُ إِجْمَاعٌ عَلَى الْخَطَأِ وَهُمْ مَعْصُومُونَ عَنْ ذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ فَلَعَلَّ النَّسْخَ إِنَّمَا ظَهَرَ فِي زَمَنِ عُمَرَ قُلْنَا هَذَا أَيْضًا غَلَطٌ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَدْ حَصَلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْخَطَأِ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَلَيْسَ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى الرَّاجِحِ قُلْتُ نَقَلَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْفَصْلَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَأَقَرَّهُ وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ فِي مَوَاضِعَ أَحَدُهَا أَنَّ الَّذِي ادَّعَى نَسْخَ الْحُكْمِ لَمْ يَقُلْ إِنَّ عُمَرَ هُوَ الَّذِي نَسَخَ حَتَّى يَلْزَمَ مِنْهُ مَا ذُكِرَ وَإِنَّمَا قَالَ مَا تَقَدَّمَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ نَسَخَ أَيِ اطَّلَعَ عَلَى نَاسِخٍ لِلْحُكْمِ الَّذِي رَوَاهُ مَرْفُوعًا وَلِذَلِكَ أَفْتَى بِخِلَافِهِ وَقَدْ سَلَّمَ الْمَازِرِيُّ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ أَنَّ إِجْمَاعَهُمْ يَدُلُّ عَلَى نَاسِخٍ وَهَذَا هُوَ مُرَادُ مَنِ ادَّعَى النَّسْخَ الثَّانِي إِنْكَارُهُ الْخُرُوجَ عَنِ الظَّاهِرِ عَجِيبٌ فَإِنَّ الَّذِي يُحَاوِلُ الْجَمْعَ بِالتَّأْوِيلِ يَرْتَكِبُ خِلَافَ الظَّاهِرِ حَتْمًا الثَّالِثُ أَنَّ تَغْلِيطَهُ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ ظُهُورُ النَّسْخِ عَجِيبٌ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُرَادَ بِظُهُورِهِ انْتِشَارُهُ وَكَلَام بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُفْعَلُ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي كَانَ يَفْعَلُهُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ فَلَا يَلْزَمُ مَا ذُكِرَ مِنْ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى الْخَطَأِ وَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ مِنْ مَسْأَلَةِ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ لَا يَجِئُ هُنَا لِأَنَّ عَصْرَ الصَّحَابَةِ لَمْ يَنْقَرِضْ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ بَلْ وَلَا عُمَرَ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْعَصْرِ الطَّبَقَةُ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ وَهُمْ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ بَلْ وَبَعْدَهُمَا طَبَقَةٌ وَاحِدَةٌ الْجَوَابُ الرَّابِعُ دَعْوَى الِاضْطِرَابِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ وَقَعَ فِيهِ مَعَ الِاخْتِلَافِ عَلَى بن عَبَّاسٍ الِاضْطِرَابَ فِي لَفْظِهِ وَظَاهِرُ سِيَاقِهِ يَقْتَضِي النَّقْلَ عَنْ جَمِيعِهِمْ أَنَّ مُعْظَمَهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ ذَلِكَ وَالْعَادَةُ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يَفْشُوَ الْحُكْمَ وَيَنْتَشِرَ فَكَيْفَ يَنْفَرِدُ بِهِ وَاحِدٌ عَنْ وَاحِدٍ قَالَ فَهَذَا الْوَجْهُ يَقْتَضِي التَّوَقُّفَ عَنِ الْعَمَلِ بِظَاهِرِهِ إِنْ لَمْ يَقْتَضِ الْقَطْعَ بِبُطْلَانِهِ الْجَوَابُ الْخَامِسُ دَعْوَى أَنَّهُ وَرَدَ فِي صُورَةٍ خَاصَّة فَقَالَ بن سُرَيْجٍ وَغَيْرُهُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ وَرَدَ فِي تَكْرِيرِ اللَّفْظِ كَأَنْ يَقُولُ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ وَكَانُوا أَوَّلًا عَلَى سَلَامَةِ صُدُورِهِمْ يُقْبَلُ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ أَرَادُوا التَّأْكِيدَ فَلَمَّا كَثُرَ النَّاسُ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَكَثُرَ فِيهِمُ الْخِدَاعُ وَنَحْوُهُ مِمَّا يَمْنَعُ قَبُولَ مَنِ ادَّعَى التَّأْكِيدَ حَمَلَ عُمَرُ اللَّفْظَ عَلَى ظَاهِرِ التَّكْرَارِ فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ وَهَذَا الْجَوَابُ ارْتَضَاهُ الْقُرْطُبِيُّ وَقَوَّاهُ بِقَوْلِ عُمَرَ إِنَّ النَّاسَ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ إِنَّ هَذَا أَصَحُّ الْأَجْوِبَةِ الْجَوَابُ السَّادِسُ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ وَاحِدَةٌ وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ كَأَنَّ الثَّلَاثَ وَاحِدَةٌ أَنَّ النَّاسَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يُطَلِّقُونَ وَاحِدَةً فَلَمَّا كَانَ زَمَنُ عُمَرَ كَانُوا يُطَلِّقُونَ ثَلَاثًا وَمُحَصَّلُهُ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الطَّلَاقَ الْمَوْقِعَ فِي عَهْدِ عُمَرَ ثَلَاثًا كَانَ يُوقِعُ قَبْلَ ذَلِكَ وَاحِدَةً لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَسْتَعْمِلُونَ الثَّلَاثَ أَصْلًا أَوْ كَانُوا يَسْتَعْمِلُونَهَا نَادِرًا وَأَمَّا فِي عَصْرِ عُمَرَ فَكَثُرَ اسْتِعْمَالُهُمْ لَهَا وَمَعْنَى قَوْلِهِ فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ وَأَجَازَهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ أَنَّهُ صَنَعَ فِيهِ مِنَ الْحُكْمِ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ مَا كَانَ يَصْنَعُ قبله وَرجح هَذَا التَّأْوِيل بن الْعَرَبِيِّ وَنَسَبَهُ إِلَى أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ وَكَذَا أَوْرَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ إِلَى أَبِي زُرْعَةَ أَنَّهُ قَالَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدِي أَنَّ مَا تُطَلِّقُونَ أَنْتُمْ ثَلَاثًا كَانُوا يُطَلِّقُونَ وَاحِدَةً قَالَ النَّوَوِيُّ وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ الْخَبَرُ وَقَعَ عَنِ اخْتِلَافِ عَادَةِ النَّاسِ خَاصَّةً لَا عَنْ تُغَيِّرِ الْحُكْمِ فِي الْوَاحِدَةِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ الْجَوَابُ السَّابِع