عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَأَصْلُ الْفَصْمِ الْقَطْعُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى لَا انفصام لَهَا وَقِيلَ الْفَصْمُ بِالْفَاءِ الْقَطْعُ بِلَا إِبَانَةٍ وَبِالْقَافِ الْقَطْعُ بِإِبَانَةٍ فَذَكَرَ بِالْفَصْمِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْمَلَكَ فَارَقَهُ لِيَعُودَ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا بَقَاءُ الْعُلْقَةِ قَوْلُهُ وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ أَيِ الْقَوْلَ الَّذِي جَاءَ بِهِ وَفِيهِ إِسْنَادُ الْوَحْيِ إِلَى قَوْلِ الْمَلَكِ وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَمَّنْ قَالَ مِنَ الْكُفَّارِ إِن هَذَا الا قَول الْبشر لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُنْكِرُونَ الْوَحْيَ وَيُنْكِرُونَ مَجِيءَ الْمَلَكِ بِهِ قَوْلُهُ يَتَمَثَّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلًا التَّمَثُّلُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْمِثْلِ أَيْ يَتَصَوَّرُ وَاللَّامُ فِي الْمَلَكِ لِلْعَهْدِ وَهُوَ جِبْرِيلُ وَقَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي رِوَايَة بن سَعْدٍ الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهَا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَلَكَ يَتَشَكَّلُ بِشَكْلِ الْبَشَرِ قَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ الْمَلَائِكَةُ أَجْسَامٌ عُلْوِيَّةٌ لَطِيفَةٌ تَتَشَكَّلُ أَيَّ شَكْلٍ أَرَادُوا وَزعم بعض الفلاسفة أَنَّهَا جَوَاهِر روحانية ورجلا مَنْصُوبٌ بِالْمَصْدَرِيَّةِ أَيْ يَتَمَثَّلُ مِثْلَ رَجُلٍ أَوْ بِالتَّمْيِيزِ أَوْ بِالْحَالِ وَالتَّقْدِيرُ هَيْئَةَ رَجُلٍ قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ تَمَثُّلُ جِبْرِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ أَفْنَى الزَّائِدَ مِنْ خَلْقِهِ أَوْ أَزَالَهُ عَنْهُ ثمَّ يُعِيدهُ إِلَيْهِ بعد وَجزم بن عَبْدِ السَّلَامِ بِالْإِزَالَةِ دُونَ الْفَنَاءِ وَقَرَّرَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ انْتِقَالُهَا مُوجِبًا لِمَوْتِهِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى الْجَسَدُ حَيًّا لِأَنَّ مَوْتَ الْجَسَدِ بِمُفَارَقَةِ الرُّوحِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَقْلًا بَلْ بِعَادَةٍ أَجْرَاهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي بَعْضِ خَلْقِهِ وَنَظِيرُهُ انْتِقَالُ أَرْوَاحِ الشُّهَدَاءِ إِلَى أَجْوَافِ طُيُورٍ خُضْرٍ تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ وَقَالَ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ مَا ذَكَرَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ لاينحصر الْحَال فِيهِ بل يجوز أَن يكون الَّاتِي هُوَ جِبْرِيلَ بِشَكْلِهِ الْأَصْلِيِّ إِلَّا أَنَّهُ انْضَمَّ فَصَارَ عَلَى قَدْرِ هَيْئَةِ الرَّجُلِ وَإِذَا تَرَكَ ذَلِكَ عَادَ إِلَى هَيْئَتِهِ وَمِثَالُ ذَلِكَ الْقُطْنُ إِذَا جُمِعَ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُنْتَفِشًا فَإِنَّهُ بِالنَّفْشِ يَحْصُلُ لَهُ صُورَةٌ كَبِيرَةٌ وَذَاتُهُ لَمْ تَتَغَيَّرَ وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيبِ وَالْحَقُّ أَنَّ تَمَثُّلَ الْمَلَكِ رَجُلًا لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ ذَاتَهُ انْقَلَبَتْ رَجُلًا بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ ظَهَرَ بِتِلْكَ الصُّورَةِ تَأْنِيسًا لِمَنْ يُخَاطِبَهُ وَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّ الْقدر الزَّائِد لايزول وَلَا يَفْنَى بَلْ يَخْفَى عَلَى الرَّائِي فَقَطْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فَيُكَلِّمُنِي كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ فَيُعَلِّمُنِي بِالْعَيْنِ بَدَلَ الْكَافِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَصْحِيفٌ فَقَدْ وَقَعَ فِي الْمُوَطَّأِ رِوَايَةُ الْقَعْنَبِيِّ بِالْكَافِ وَكَذَا لِلدَّارَقُطْنِيِّ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ مِنْ طَرِيقِ الْقَعْنَبِيِّ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ فَأَعِي مَا يَقُولُ زَادَ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَهُوَ أَهْوَنُهُ عَلَيَّ وَقَدْ وَقَعَ التَّغَايُرُ فِي الْحَالَتَيْنِ حَيْثُ قَالَ فِي الأول وَقَدْ وَعَيْتُ بِلَفْظِ الْمَاضِي وَهُنَا فَأَعِي بِلَفْظِ الِاسْتِقْبَالِ لِأَنَّ الْوَعْيَ حَصَلَ فِي الْأَوَّلِ قَبْلَ الْفَصْمِ وَفِي الثَّانِي حَصَلَ حَالَ الْمُكَالَمَةِ أَوْ أَنَّهُ كَانَ فِي الْأَوَّلِ قَدْ تَلَبَّسَ بِالصِّفَاتِ الْمَلَكِيَّةِ فَإِذَا عَادَ إِلَى حَالَتِهِ الْجِبِلِّيَّةِ كَانَ حَافِظًا لِمَا قِيلَ لَهُ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْمَاضِي بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ عَلَى حَالَتِهِ الْمَعْهُودَةِ قَوْلُهُ قَالَتْ عَائِشَةُ هُوَ بِالْإِسْنَادِ الَّذِي قَبْلَهُ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ حَرْفِ الْعَطْفِ كَمَا يَسْتَعْمِلُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ كَثِيرًا وَحَيْثُ يُرِيدُ التَّعْلِيقُ يَأْتِي بِحَرْفِ الْعَطْفِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ مِنْ طَرِيقِ عَتِيقِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ مَالِكٍ مَفْصُولًا عَنِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَكَذَا فَصَلَهُمَا مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ وَنُكْتَةُ هَذَا الِاقْتِطَاعِ هُنَا اخْتِلَافُ التَّحَمُّلِ لِأَنَّهَا فِي الْأَوَّلِ أَخْبَرَتْ عَنْ مَسْأَلَةِ الْحَارِثِ وَفِي الثَّانِي أَخْبَرَتْ عَمَّا شَاهَدَتْ تَأْيِيدًا لِلْخَبَرِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ لَيَتَفَصَّدُ بِالْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الْمُهْمَلَةِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْفَصْدِ وَهُوَ قَطْعُ الْعِرْقِ لِإِسَالَةِ الدَّمِ شُبِّهَ جَبِينُهُ بِالْعِرْقِ الْمَفْصُودِ مُبَالَغَةً فِي كَثْرَةِ الْعَرَقِ وَفِي قَوْلِهَا فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ دِلَالَةٌ عَلَى كَثْرَةِ مُعَانَاةِ التَّعَبِ وَالْكَرْبِ عِنْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ الْعَادَةِ وَهُوَ كَثْرَةُ الْعَرَقِ فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِوُجُودِ أَمْرٍ طَارِئٍ زَائِدٍ عَلَى الطِّبَاعِ الْبَشَرِيَّةِ وَقَوْلُهُ عرقا بِالنّصب على التَّمْيِيز زَاد بن أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ فِي الدَّلَائِلِ وَإِنْ كَانَ لَيُوحَى إِلَيْهِ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ فَيَضْرِبُ حِزَامَهَا مِنْ ثِقَلِ مَا يُوحَى إِلَيْهِ تَنْبِيهٌ حَكَى الْعَسْكَرِيُّ فِي التَّصْحِيفِ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّهُ قَرَأَ لَيَتَقَصَّدُ بِالْقَافِ ثُمَّ قَالَ الْعَسْكَرِيُّ إِنْ ثَبَتَ فَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ تَقَصَّدَ الشَّيْءُ إِذَا تَكَسَّرَ وَتَقَطَّعَ وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ انْتَهَى وَقَدْ وَقَعَ فِي هَذَا التَّصْحِيفِ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ طَاهِرٍ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ الْمُؤْتَمِنُ السَّاجِيُّ بِالْفَاءِ قَالَ فَأَصَرَّ عَلَى الْقَاف وَذكر الذَّهَبِيّ فِي تَرْجَمَة بن طَاهِر عَن