تكن النِّيَّة حِينَئِذٍ محالا وَقَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ الَّذِينَ اشْتَرَطُوا النِّيَّةَ قَدَّرُوا صِحَّةَ الْأَعْمَالِ وَالَّذِينَ لَمْ يَشْتَرِطُوهَا قَدَّرُوا كَمَالَ الْأَعْمَالِ وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الصِّحَّةَ أَكْثَرُ لُزُومًا لِلْحَقِيقَةِ مِنَ الْكَمَالِ فَالْحَمْلُ عَلَيْهَا أَوْلَى وَفِي هَذَا الْكَلَامِ إِيهَامٌ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ لَا يَرَى بِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ وَلَيْسَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ إِلَّا فِي الْوَسَائِلِ وَأَمَّا الْمَقَاصِدُ فَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ لَهَا وَمِنْ ثَمَّ خَالَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي اشْتِرَاطِهَا لِلْوُضُوءِ وَخَالَفَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي اشْتِرَاطِهَا فِي التَّيَمُّمِ أَيْضًا نَعَمْ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ اخْتِلَافٌ فِي اقْتِرَانِ النِّيَّةِ بِأَوَّلِ الْعَمَلِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَبْسُوطَاتِ الْفِقْهِ تَكْمِيلٌ الظَّاهِرُ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِي النِّيَّاتِ مُعَاقِبَةٌ لِلضَّمِيرِ وَالتَّقْدِيرُ الْأَعْمَالُ بِنِيَّاتِهَا وَعَلَى هَذَا فَيَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ نِيَّةِ الْعَمَلِ مِنْ كَوْنِهِ مَثَلًا صَلَاةً أَوْ غَيْرَهَا وَمِنْ كَوْنِهَا فَرْضًا أَوْ نَفْلًا ظُهْرًا مَثَلًا أَوْ عَصْرًا مَقْصُورَةً أَوْ غَيْرَ مَقْصُورَةٍ وَهَلْ يُحْتَاجُ فِي مِثْلِ هَذَا إِلَى تَعْيِينِ الْعَدَدِ فِيهِ بَحْثٌ وَالرَّاجِحُ الِاكْتِفَاءُ بِتَعْيِين الْعِبَادَة الَّتِي لاتنفك عَنِ الْعَدَدِ الْمُعَيَّنِ كَالْمُسَافِرِ مَثَلًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ إِلَّا بِنِيَّةِ الْقَصْرِ لَكِنْ لَا يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةِ رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مُقْتَضَى الْقَصْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِيهِ تَحْقِيقٌ لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ وَالْإِخْلَاصِ فِي الْأَعْمَالِ فَجَنَحَ إِلَى أَنَّهَا مُؤَكَّدَةٌ وَقَالَ غَيْرُهُ بَلْ تُفِيدُ غَيْرَ مَا أَفَادَتْهُ الْأُولَى لِأَنَّ الْأُولَى نَبَّهَتْ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ يَتْبَعُ النِّيَّةَ وَيُصَاحِبُهَا فَيَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ عَلَى ذَلِكَ وَالثَّانِيَةُ أَفَادَتْ أَنَّ الْعَامِلَ لَا يحصل لَهُ الا مَا نَوَاه وَقَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ تَقْتَضِي أَنَّ مَنْ نَوَى شَيْئًا يَحْصُلُ لَهُ يَعْنِي إِذَا عَمِلَهُ بِشَرَائِطِهِ أَوْ حَالَ دُونَ عَمَلِهِ لَهُ مَا يُعْذَرُ شَرْعًا بِعَدَمِ عَمَلِهِ وَكُلُّ مَا لَمْ يَنْوِهِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ مَا لَمْ يَنْوِهِ أَيْ لَا خُصُوصًا وَلَا عُمُومًا أَمَّا إِذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا مَخْصُوصًا لَكِنْ كَانَتْ هُنَاكَ نِيَّةٌ عَامَّةٌ تَشْمَلُهُ فَهَذَا مِمَّا اخْتَلَفَتْ فِيهِ أَنْظَارُ الْعُلَمَاءِ وَيَتَخَرَّجُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَسَائِلِ مَا لَا يُحْصَى وَقَدْ يَحْصُلُ غَيْرُ الْمَنْوِيِّ لِمُدْرَكٍ آخَرَ كَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى الْفَرْضَ أَوِ الرَّاتِبَةَ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ نَوَاهَا أَوْ لَمْ يَنْوِهَا لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالتَّحِيَّةِ شَغْلُ الْبُقْعَةِ وَقَدْ حَصَلَ وَهَذَا بِخِلَافِ مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَنِ الْجَنَابَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ غُسْلُ الْجُمُعَةِ عَلَى الرَّاجِحِ لِأَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ يُنْظَرُ فِيهِ إِلَى التَّعَبُّدِ لَا إِلَى مَحْضِ التَّنْظِيفِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْقَصْدِ إِلَيْهِ بِخِلَافِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ أَفَادَتِ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ اشْتِرَاطَ تَعْيِينِ الْمَنْوِيِّ كَمَنْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ فَائِتَةٌ لَا يَكْفِيهِ أَنْ يَنْوِيَ الْفَائِتَةَ فَقَطْ حَتَّى يُعَيِّنَهَا ظُهْرًا مَثَلًا أَوْ عَصْرًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّهُ مَا إِذَا لَمْ تَنْحَصِر الْفَائِتَة وَقَالَ بن السَّمْعَانِيِّ فِي أَمَالِيهِ أَفَادَتْ أَنَّ الْأَعْمَالَ الْخَارِجَةَ عَنِ الْعِبَادَةِ لَا تُفِيدُ الثَّوَابَ إِلَّا إِذَا نَوَى بِهَا فَاعِلُهَا الْقُرْبَةَ كَالْأَكْلِ إِذَا نَوَى بِهِ الْقُوَّةَ عَلَى الطَّاعَةِ وَقَالَ غَيْرُهُ أَفَادَتْ أَنَّ النِّيَابَةَ لَا تَدْخُلُ فِي النِّيَّةِ فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ فَلَا يَرِدُ مِثْلُ نِيَّةِ الْوَلِيِّ عَنِ الصَّبِيِّ وَنَظَائِرِهِ فَإِنَّهَا عَلَى خِلَافِ الأَصْل وَقَالَ بن عَبْدِ السَّلَامِ الْجُمْلَةُ الْأُولَى لِبَيَانِ مَا يُعْتَبَرُ مِنَ الْأَعْمَالِ وَالثَّانِيَةُ لِبَيَانِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا وَأَفَادَ أَنَّ النِّيَّةَ إِنَّمَا تُشْتَرَطُ فِي الْعِبَادَةِ الَّتِي لَا تَتَمَيَّزُ بِنَفْسِهَا وَأَمَّا مَا يَتَمَيَّزُ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ بِصُورَتِهِ إِلَى مَا وُضِعَ لَهُ كَالْأَذْكَارِ وَالْأَدْعِيَةِ وَالتِّلَاوَةِ لِأَنَّهَا لَا تَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعَادَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إِلَى أَصْلِ الْوَضْعِ أَمَّا مَا حَدَثَ فِيهِ عُرْفٌ كَالتَّسْبِيحِ لِلتَّعَجُّبِ فَلَا وَمَعَ ذَلِكَ فَلَوْ قُصِدَ بِالذِّكْرِ الْقُرْبَةُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لَكَانَ أَكْثَرَ ثَوَابًا وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْغَزَّالِيُّ حَرَكَةُ اللِّسَانِ بِالذِّكْرِ مَعَ الْغَفْلَةِ عَنْهُ تُحَصِّلُ الثَّوَابَ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ حَرَكَةِ اللِّسَانِ بِالْغِيبَةِ بَلْ هُوَ خَيْرٌ مِنَ السُّكُوتِ مُطْلَقًا أَيِ الْمُجَرَّدِ عَنِ التَّفَكُّرِ قَالَ وَإِنَّمَا هُوَ نَاقِصٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَمَلِ الْقَلْبِ انْتَهَى وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ ثُمَّ قَالَ فِي الْجَوَابِ عَنْ قَوْلِهِمْ أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيُؤْجَرُ أَرَأَيْتَ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ وَأَوْرَدَ عَلَى إِطْلَاقِ الْغَزَّالِيِّ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ الْمَرْءَ يُثَابُ عَلَى فِعْلٍ مُبَاحٍ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ فِعْلِ الْحَرَامِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادَهُ وَخُصَّ مِنْ عُمُومِ الْحَدِيثِ مَا يُقْصَدُ حُصُولُهُ فِي الْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ تَخُصُّهُ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَمَنْ مَاتَ زَوْجُهَا فَلَمْ يَبْلُغْهَا الْخَبَرُ إِلَّا بَعْدَ مُدَّةِ الْعِدَّةِ فَإِنَّ عِدَّتَهَا تَنْقَضِي لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَقَدْ وُجِدَتْ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَحْتَجِ الْمَتْرُوكُ إِلَى نِيَّةٍ وَنَازَعَ الْكِرْمَانِيُّ فِي إِطْلَاقِ الشَّيْخِ مُحْيِي الدِّينِ كَوْنَ الْمَتْرُوكِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ بِأَنَّ التَّرْكَ فِعْلٌ وَهُوَ كَفُّ النَّفْسِ وَبِأَنَّ الْتُّرُوكَ إِذَا أُرِيدَ بِهَا تَحْصِيلُ الثَّوَابِ بِامْتِثَالِ أَمْرِ الشَّارِعِ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015