قَوْلُهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ أَيْ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَاحْتَجَّ بِهَذَا مَنْ جَوَّزَ اجْتِهَادَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَوَّزَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ أَنْ يَكُونَ أُذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِعْجَالِ إِلَى وَقْتِ وُرُودِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ وُقُوعُ الِاجْتِهَادِ فِي ذَلِكَ وَالضَّمِيرُ فِي بِهِ عَائِدٌ عَلَى الْقُرْآنِ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ لَكِنَّ الْقُرْآنَ يُرْشِدُ إِلَيْهِ بَلْ دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْآيَةِ قَوْلُهُ عَلَيْنَا أَنْ نَجْمَعَهُ فِي صَدْرِكَ كَذَا فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ تَفْسِيرُهُ بِالْحِفْظِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ جَمْعُهُ لَكَ فِي صَدْرِكِ وَرِوَايَةُ جَرِيرٍ أَوْضَحُ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ مَعْنَى جَمْعَهُ تَأْلِيفَهُ قَوْلُهُ وَقُرْآنَهُ زَادَ فِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ أَنْ تَقْرَأَهُ أَيْ أَنْتَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ وَتَقْرَأَهُ بَعْدُ قَوْلُهُ فَإِذا قرأناه أَي قَرَأَهُ عَلَيْك الْملك فَاتبع قرآنه فَإِذَا أَنْزَلْنَاهُ فَاسْتَمِعْ هَذَا تَأْوِيلٌ آخَرُ لِابْنِ عَبَّاسٍ غَيْرُ الْمَنْقُولِ عَنْهُ فِي التَّرْجَمَةِ وَقَدْ وَقع فِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ مِثْلُ رِوَايَةِ جَرِيرٍ وَفِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ نَحْوَ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ فَاسْتَمِعْ وَأَنْصِتْ وَلَا شَكَّ أَنَّ الِاسْتِمَاعَ أَخَصُّ مِنَ الْإِنْصَاتِ لِأَنَّ الِاسْتِمَاعَ الْإِصْغَاءُ وَالْإِنْصَاتُ السُّكُوتُ وَلَا يَلْزَمُ مِنَ السُّكُوتِ الْإِصْغَاءُ وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى أَنْزَلْنَاهُ وَفِي قَوْلِهِ فَاسْتَمِعْ قَوْلَيْنِ وَعِنْدَ الطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ اسْتَمِعْ أتبع حَلَاله واجتنب حرَامه وَيُؤَيِّدهُ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ أَطْرَقَ فَإِذَا ذَهَبَ قَرَأَهُ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ فَاتَّبِعْ قرآنه لِجِبْرِيلَ وَالتَّقْدِيرُ فَإِذَا انْتَهَتْ قِرَاءَةُ جِبْرِيلَ فَاقْرَأْ أَنْت قَوْله ثمَّ إِن علينا بَيَانه عَلَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَهُ بِلِسَانِكَ فِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِكَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ أَنْ تَقْرَأَهُ وَهِيَ بِمُثَنَّاةٍ فَوْقَانِيَّةٍ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ لِمَا تَقْتَضِيهِ ثُمَّ مِنَ التَّرَاخِي وَأَوَّلُ مَنِ اسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّيِّبِ وَتَبِعُوهُ وَهَذَا لَا يَتِمُّ إِلَّا عَلَى تَأْوِيلِ الْبَيَانِ بِتَبْيِينِ الْمَعْنَى وَإِلَّا فَإِذَا حُمِلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ اسْتِمْرَارُ حِفْظِهِ لَهُ وَظُهُورِهِ عَلَى لِسَانِهِ فَلَا قَالَ الْآمِدِيُّ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْبَيَانِ الْإِظْهَارُ لَا بَيَانُ الْمُجْمَلِ يُقَالُ بَانَ الْكَوْكَبُ إِذَا ظَهَرَ قَالَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ جَمِيعُ الْقُرْآنِ وَالْمُجْمَلُ إِنَّمَا هُوَ بَعْضُهُ وَلَا اخْتِصَاصَ لِبَعْضِهِ بِالْأَمْرِ الْمَذْكُورِ دُونَ بَعْضٍ وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ الْبَيَانُ التَّفْصِيلِيُّ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ جَوَازُ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ الْإِجْمَالِيِّ فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَالُ وَتُعُقِّبَ بِاحْتِمَالِ إِرَادَةِ الْمَعْنَيَيْنِ الْإِظْهَارُ وَالتَّفْصِيلُ وَغَيْرُ ذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ بَيَانَهُ جِنْسٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ جَمِيعَ أَصْنَافِهِ مِنْ إِظْهَارِهِ وَتَبْيِينِ أَحْكَامِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ تَخْصِيصٍ وَتَقْيِيدٍ وَنَسْخٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَثِيرٌ مِنْ مَبَاحِثِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ وَأُعِيدَ بعضه هُنَا اسْتِطْرَادًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015