مَشُورَتِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأُمُورِ الْعَامَّةِ أَكَابِرَ الصَّحَابَةِ كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَمَّا أُسَامَةُ فَهُوَ كَعَلِيٍّ فِي طُولِ الْمُلَازَمَةِ وَمَزِيدِ الِاخْتِصَاصِ وَالْمَحَبَّةِ وَلِذَلِكَ كَانُوا يُطْلِقُونَ عَلَيْهِ أَنَّهُ حِبَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَصَّهُ دُونَ أَبِيهِ وَأُمَّهُ لِكَوْنِهِ كَانَ شَابًّا كَعَلِيٍّ وَإِنْ كَانَ عَلِيٌّ أَسَنَّ مِنْهُ وَذَلِكَ أَنَّ لِلشَّابِّ مِنْ صَفَاءِ الذِّهْنِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ وَلِأَنَّهُ أَكْثَرُ جُرْأَةٍ عَلَى الْجَوَابِ بِمَا يَظْهَرُ لَهُ مِنَ الْمُسِنِّ لِأَنَّ الْمُسِنَّ غَالِبًا يَحْسُبُ الْعَاقِبَةَ فَرُبَّمَا أخْفى مَا يظْهر لَهُ رِعَايَة للقائل تَارَة والمسؤول عَنْهُ أُخْرَى مَعَ مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّهُ اسْتَشَارَ غَيْرَهُمَا تَنْبِيهٌ وَقَعَ بِسَبَبِ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ عَلِيٍّ نِسْبَةُ عَائِشَةَ إِيَّاهُ إِلَى الْإِسَاءَةِ فِي شَأْنِهَا كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ فِي الْمَغَازِي وَمَا رَاجَعَ بِهِ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ ذَلِكَ فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ وَقَدْ وَضَحَ عُذْرُ عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ وَسَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ فِي رِوَايَةِ مِقْسَمٍ عَن عَائِشَة أرسل إِلَى بَرِيرَة خَادِمهَا فَسَلْهَا فَعَسَى أَنْ تَكُونَ قَدِ اطَّلَعَتْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهَا قَوْلُهُ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِيرَةَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكسر الرَّاء تقدم ضَبطهَا فِي الْعتْق وَفِي رِوَايَةِ مِقْسَمٍ فَأَرْسَلَ إِلَى بَرِيرَةَ فَقَالَ لَهَا أَتَشْهَدِينَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَإِنِّي سَائِلُكِ عَنْ شَيْءٍ فَلَا تَكْتُمِينَهُ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ هَلْ رَأَيْتِ مِنْ عَائِشَةَ مَا تَكْرَهِينَهُ قَالَتْ لَا وَقَدْ قِيلَ إِنَّ تَسْمِيَتَهَا هُنَا وَهَمٌ لِأَنَّ قِصَّتَهَا كَانَتْ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ كَمَا سَيَأْتِي أَنَّهَا لَمَّا خُيِّرَتْ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا كَانَ زَوْجُهَا يَبْكِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ يَا عَبَّاسُ أَلَا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ الْحَدِيثَ وَسَيَأْتِي وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنْ تَكُونَ بَرِيرَةُ كَانَتْ تَخْدُمُ عَائِشَةَ وَهِيَ فِي رِقِّ مَوَالِيهَا وَأَمَّا قِصَّتُهَا مَعًا فِي مُكَاتَبَتِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ أَوْ أَنَّ اسْمَ هَذِهِ الْجَارِيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ وَافَقَ اسْمَ بَرِيرَةَ الَّتِي وَقَعَ لَهَا التَّخْيِيرُ وَجَزَمَ الْبَدْرُ الزَّرْكَشِيُّ فِيمَا اسْتَدْرَكَتْهُ عَائِشَةُ عَلَى الصَّحَابَةِ أَنَّ تَسْمِيَةَ هَذِهِ الْجَارِيَةِ بِبَرِيرَةَ مُدْرَجَةٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَأَنَّهَا جَارِيَة أُخْرَى وَأَخذه من بن الْقَيِّمِ الْحَنْبَلِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ تَسْمِيَتُهَا بِبَرِيرَةَ وَهَمٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ فَإِنَّ عَائِشَةَ إِنَّمَا اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَمَّا كَاتَبَتْهَا عَقِبَ شِرَائِهَا وَعَتَقَتْ خُيِّرَتْ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَظَنَّ الرَّاوِي أَنَّ قَوْلَ عَلِيٍّ وَسَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ أَنَّهَا بَرِيرَةُ فغلط قَالَ وَهَذَا نوع غامض لَا ينتبه لَهُ إِلَّا الْحُذَّاقُ قُلْتُ وَقَدْ أَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّهَا كَانَتْ تَخْدُمُ عَائِشَةَ بِالْأُجْرَةِ وَهِيَ فِي رِقِّ مَوَالِيهَا قَبْلَ وُقُوعِ قِصَّتِهَا فِي الْمُكَاتَبَةِ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ دَعْوَى الْإِدْرَاجِ وَتَغْلِيطِ الْحُفَّاظِ قَوْلُهُ أَيْ بَرِيرَةُ هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فَانْتَهَرَهَا بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَقَالَ اصْدُقِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي أُوَيْسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيٍّ شَأْنُكَ بِالْجَارِيَةِ فَسَأَلَهَا عَلِيٌّ وَتَوَعَّدَهَا فَلَمْ تُخْبِرْهُ إِلَّا بِخَيْرٍ ثُمَّ ضَرَبَهَا وَسَأَلَهَا فَقَالَتْ وَالله مَا علمت على عَائِشَة سَوَاء وَفِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ فَقَامَ إِلَيْهَا عَلِيٌّ فَضَرَبَهَا ضَرْبًا شَدِيدًا يَقُولُ اصْدُقِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ حَتَّى أَسْقَطُوا لَهَا بِهِ يُقَالُ أَسْقَطَ الرَّجُلُ فِي الْقَوْلِ إِذَا أَتَى بِكَلَامٍ سَاقِطٍ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ بِهِ لِلْحَدِيثِ أَوِ الرَّجُلِ الَّذِي اتَّهَمُوهَا بِهِ وَحكى عِيَاض أَن فِي رِوَايَة بن مَاهَانَ فِي مُسْلِمٍ حَتَّى أَسْقَطُوا لَهَاتَهَا بِمُثَنَّاةٍ مَفْتُوحَةٍ وَزِيَادَةِ أَلِفٍ بَعْدَ الْهَاءِ قَالَ وَهُوَ تَصْحِيفٌ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَسْقَطُوا لَهَاتَهَا لَمْ تَسْتَطِعِ الْكَلَامَ وَالْوَاقِعُ أَنَّهَا تَكَلَّمَتْ فَقَالَتْ سُبْحَانَ اللَّهِ إِلَخْ وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عِنْد الطبرائي فَقَالَ لست عَن هَذَا أَسأَلك قَالَت نعْمَة فَلَمَّا فَطِنَتْ قَالَتْ سُبْحَانَ اللَّهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ حَتَّى أَسْقَطُوا لَهَا بِهِ حَتَّى صَرَّحُوا لَهَا بِالْأَمْرِ فَلهَذَا تعجبت وَقَالَ بن الْجَوْزِيّ أسقطوا لَهَا بِهِ أَي صَرَّحُوا بهَا بِالْأَمر وَقيل جاؤوا فِي خِطَابِهَا بِسَقْطٍ مِنَ الْقَوْلِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَة