قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ قَوْلُهُ تَعَالَى مَثَابَةً مَصْدَرُ يَثُوبُونَ أَيْ يَصِيرُونَ إِلَيْهِ وَمُرَادُهُ بِالْمَصْدَرِ اسْمُ الْمَصْدَرِ وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ اسْمُ مَكَانٍ وَرَوَى الطَّبَرِيّ من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ مَثَابَةً قَالَ يَأْتُونَهُ ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ إِلَيْهِ لَا يقضون مِنْهُ وطرا قَالَ الْفراء المثابة والمثاب بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَالْمُقَامِ وَالْمُقَامَةِ وَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ الْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ لِمَا كَثُرَ مِنْ يَثُوبُ إِلَيْهِ كَمَا قَالُوا سَيَّارَةٌ لِمَنْ يُكْثِرُ السَّيْرَ وَالْأَصْلُ فِي مثابة مَثُوبَةٌ فَأُعِلَّ بِالنَّقْلِ وَالْقَلْبِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ أَنَسٍ عَنْ عُمَرَ قَالَ وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ وَتَأْتِي قِصَّةُ الْحِجَابِ فِي تَفْسِيرِ الْأَحْزَابِ وَالتَّخْيِيرِ فِي تَفْسِيرِ التَّحْرِيمِ وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ فَانْتَهَيْتُ إِلَى إِحْدَاهُنَّ يَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ فِي بَابُ غَيْرَةِ النِّسَاءِ مِنْ أَوَاخِرِ كِتَابِ النِّكَاحِ قَوْله وَقَالَ بن أَبِي مَرْيَمَ إِلَخْ تَقَدَّمَ أَيْضًا فِي الصَّلَاةِ وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ حَدِيثِ بن عُمَرَ أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِ عُمَرَ فَمَرَّ بِهِ عَلَى الْمَقَامِ فَقَالَ لَهُ هَذَا مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَلَا تَتَّخِذُهُ مُصَلًّى فَنَزَلَتْ تَكْمِلَةٌ قَالَ بن الْجَوْزِيِّ إِنَّمَا طَلَبَ عُمَرُ الِاسْتِنَانَ بِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ النَّهْيِ عَنِ النَّظَرِ فِي كِتَابِ التَّوْرَاةِ لِأَنَّهُ سَمِعَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى فِي حق إِبْرَاهِيم أَنِّي جاعلك للنَّاس إِمَامًا وَقَوله تَعَالَى أَن أتبع مِلَّة إِبْرَاهِيم فَعَلِمَ أَنَّ الِائْتِمَامَ بِإِبْرَاهِيمَ مِنْ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ وَلِكَوْنِ الْبَيْتِ مُضَافًا إِلَيْهِ وَأَنَّ أَثَرَ قَدَمَيْهِ فِي الْمَقَامِ كَرَقْمِ الْبَانِي فِي الْبِنَاءِ لِيُذْكَرَ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَرَأَى الصَّلَاةَ عِنْدَ الْمَقَامِ كَقِرَاءَةِ الطَّائِفِ بِالْبَيْتِ اسْمَ مَنْ بَنَاهُ انْتَهَى وَهِيَ مُنَاسَبَةٌ لَطِيفَةٌ ثُمَّ قَالَ وَلَمْ تَزَلْ آثَارُ قَدَمَيْ إِبْرَاهِيمَ حَاضِرَةً فِي الْمَقَامِ مَعْرُوفَةً عِنْدَ أَهْلِ الْحَرَمِ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ فِي قَصِيدَتِهِ الْمَشْهُورَةِ وَمَوْطِئُ إِبْرَاهِيمَ فِي الصَّخْرِ رطبَة على قَدَمَيْهِ حافيا غير ناعل وَفِي موطأ بن وهب عَن يُونُس عَن بن شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ رَأَيْتُ الْمَقَامَ فِيهِ أَصَابِعُ إِبْرَاهِيمَ وَأَخْمَصُ قَدَمَيْهِ غَيْرَ أَنَّهُ أَذْهَبَهُ مَسْحُ النَّاسِ بِأَيْدِيهِمْ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِنَّمَا أُمِرُوا أَنْ يُصَلُّوا عِنْدَهُ وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِمَسْحِهِ قَالَ وَلَقَدْ ذَكَرَ لَنَا مَنْ رَأَى أَثَرَ عَقِبِهِ وَأَصَابِعِهِ فِيهَا فَمَا زَالُوا يمسحونه حَتَّى اخلولق وانمحى وَكَانَ الْمَقَامُ مِنْ عَهْدِ إِبْرَاهِيمَ لِزْقَ الْبَيْتِ إِلَى أَنْ أَخَّرَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ فِيهِ الْآنَ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ وَغَيْرِهِ وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ وَلَفْظُهُ أَنَّ الْمَقَامَ كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ مُلْتَصِقًا بِالْبَيْتِ ثمَّ آخِره عمر وَأخرج بن مَرْدَوَيْهِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي حَوَّلَهُ وَالْأول أصح وَقد أخرج بن أبي حَاتِم بِسَنَد صَحِيح عَن بن عُيَيْنَةَ قَالَ كَانَ الْمَقَامُ فِي سَقْعِ الْبَيْتِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَوَّلَهُ عُمَرُ فَجَاءَ سَيْلٌ فَذَهَبَ بِهِ فَرَدَّهُ عُمَرُ إِلَيْهِ قَالَ سُفْيَانُ لَا أَدْرِي أَكَانَ لَاصِقًا بِالْبَيْتِ أَمْ لَا انْتَهَى وَلَمْ تُنْكِرِ الصَّحَابَةُ فِعْلَ عُمَرَ وَلَا مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ فَصَارَ إِجْمَاعًا وَكَانَ عُمَرُ رَأَى أَنَّ إِبْقَاءَهُ يَلْزَمُ مِنْهُ التَّضْيِيقُ عَلَى الطَّائِفِينَ أَوْ عَلَى الْمُصَلِّينَ فَوَضَعَهُ فِي مَكَانٍ يَرْتَفِعُ بِهِ الْحَرَجُ وَتَهَيَّأَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ الَّذِي كَانَ أَشَارَ بِاتِّخَاذِهِ مُصَلًّى وَأَوَّلُ مَنْ عَمِلَ عَلَيْهِ الْمَقْصُورَة الْمَوْجُودَة الْآن