يَحْصُلُ مِنَ الْحَمِيَّةِ وَالْأَنَفَةِ وَأَصْلُهَا فِي الزَّوْجَيْنِ وَالْأَهْلَيْنِ وَكُلُّ ذَلِكَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ كُلِّ تَغَيُّرٍ وَنَقْصٍ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ فَقِيلَ لَمَّا كَانَتْ ثَمَرَةُ الْغَيْرَةِ صَوْنَ الْحَرِيمِ وَمَنْعَهُمْ وَزَجْرَ مَنْ يَقْصِدُ إِلَيْهِمْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَنَعَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَزَجَرَ فَاعِلَهُ وَتَوَعَّدَهُ فَهُوَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَقَالَ بن فَوْرِكَ الْمَعْنَى مَا أَحَدٌ أَكْثَرَ زَجْرًا عَنِ الْفَوَاحِشِ مِنَ اللَّهِ وَقَالَ غَيْرَةُ اللَّهِ مَا يَغِيرُ مِنْ حَالِ الْعَاصِي بِانْتِقَامِهِ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَوْ فِي إِحْدَاهُمَا وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغيرُوا مَا بِأَنْفسِهِم وَقَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ أَهْلُ التَّنْزِيهِ فِي مِثْلِ هَذَا عَلَى قَوْلَيْنِ إِمَّا سَاكِتٌ وَإِمَّا مُؤَوِّلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَيْرَةِ شِدَّةُ الْمَنْعِ وَالْحِمَايَةِ فَهُوَ مِنْ مَجَازِ الْمُلَازَمَةِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ وَغَيْرُهُ وَجْهُ اتِّصَالِ هَذَا الْمَعْنَى بِمَا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ فَاذْكُرُوا اللَّهَ إِلَخْ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمْ لَمَّا أُمِرُوا بِاسْتِدْفَاعِ الْبَلَاءِ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ نَاسَبَ رَدْعَهُمْ عَنِ الْمَعَاصِي الَّتِي هِيَ مِنْ أَسْبَابِ جَلْبِ الْبَلَاءِ وَخَصَّ مِنْهَا الزِّنَا لِأَنَّهُ أَعْظَمُهَا فِي ذَلِكَ وَقِيلَ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْمَعْصِيَةُ مِنْ أَقْبَحِ الْمَعَاصِي وَأَشَدِّهَا تَأْثِيرًا فِي إِثَارَةِ النُّفُوسِ وَغَلَبَةِ الْغَضَبِ نَاسَبَ ذَلِكَ تَخْوِيفَهُمْ فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنْ مُؤَاخَذَةِ رَبِّ الْغَيْرَةِ وَخَالِقِهَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَقَوْلُهُ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ فِيهِ مَعْنَى الْإِشْفَاقِ كَمَا يُخَاطِبُ الْوَالِدُ وَلَدَهُ إِذَا أَشْفَقَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ يَا بُنَيَّ كَذَا قِيلَ وَكَانَ قَضِيَّةَ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ يَا أُمَّتِي لَكِنْ لِعُدُولِهِ عَنِ الْمُضْمَرِ إِلَى الْمُظْهَرِ حِكْمَةٌ وَكَأَنَّهَا بِسَبَبِ كَوْنِ الْمَقَامِ مَقَامَ تَحْذِيرٍ وَتَخْوِيفٍ لِمَا فِي الْإِضَافَةِ إِلَى الضَّمِيرِ مِنَ الْإِشْعَارِ بِالتَّكْرِيمِ وَمِثْلُهُ يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا الْحَدِيثَ وَصَدَّرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَامُهُ بِالْيَمِينِ لِإِرَادَةِ التَّأْكِيدِ لِلْخَبَرِ وَإِنْ كَانَ لَا يُرْتَابُ فِي صِدْقِهِ وَلَعَلَّ تَخْصِيصَ الْعِيدِ وَالْأُمَّةِ بِالذِّكْرِ رِعَايَةٌ لِحُسْنِ الْأَدَبِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى لِتَنَزُّهِهِ عَنِ الزَّوْجَةِ وَالْأَهْلِ مِمَّنْ يَتَعَلَّقُ بِهِمُ الْغَيْرَةُ غَالِبًا وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْوَاعِظَ يَنْبَغِي لَهُ حَالَ وَعْظِهِ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِكَلَامٍ فِيهِ تَفْخِيمٌ لِنَفْسِهِ بَلْ يُبَالِغَ فِي التَّوَاضُعِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى انْتِفَاعِ مَنْ يَسْمَعُهُ قَوْلُهُ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ أَيْ مِنْ عَظِيمِ قُدْرَةِ اللَّهِ وَانْتِقَامِهِ مِنْ أَهْلِ الْإِجْرَامِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَوْ دَامَ عِلْمُكُمْ كَمَا دَامَ عِلْمِي لِأَنَّ عِلْمَهُ مُتَوَاصِلٌ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَوْ عَلِمْتُمْ مِنْ سَعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ وَحِلْمِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا قِيلَ مَعْنَى الْقِلَّةِ هُنَا الْعَدَمُ وَالتَّقْدِيرُ لَتَرَكْتُمُ الضَّحِكَ وَلَمْ يَقَعْ مِنْكُمُ الَّا نَادرا لغَلَبَة الْخَوْف واستيلاء الْحزن وَحكى بن بَطَّالٍ عَنِ الْمُهَلَّبِ أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَنْصَارُ مِنْ مَحَبَّةِ اللَّهْوِ وَالْغِنَاءِ وَأَطَالَ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ بِمَا لَا طَائِلَ فِيهِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَمِنْ أَيْنَ لَهُ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِذَلِكَ الْأَنْصَارُ دُونَ غَيْرِهِمْ وَالْقِصَّةُ كَانَتْ فِي أَوَاخِرِ زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ امْتَلَأَتِ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِ مَكَّةَ وَوُفُودِ الْعَرَبِ وَقَدْ بَالَغَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ وَالتَّشْنِيعِ بِمَا يُسْتَغْنَى عَنْ حِكَايَتِهِ وَفِي الْحَدِيثِ تَرْجِيحُ التَّخْوِيفِ فِي الْخُطْبَةِ عَلَى التَّوَسُّعِ فِي التَّرْخِيصِ لِمَا فِي ذِكْرِ الرُّخَصِ مِنْ مُلَاءَمَةِ النُّفُوسِ لِمَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ مِنَ الشَّهْوَةِ وَالطَّبِيبُ الْحَاذِقُ يُقَابِلُ الْعِلَّةَ بِمَا يُضَادُّهَا لَا بِمَا يَزِيدُهَا وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ لِصَلَاةِ الْكُسُوفِ هَيْئَةً تَخُصُّهَا مِنَ التَّطْوِيلِ الزَّائِدِ عَلَى الْعَادَةِ فِي الْقِيَامِ وَغَيْرِهِ وَمِنْ زِيَادَةِ رُكُوعٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَقَدْ وَافَقَ عَائِشَةَ عَلَى رِوَايَةِ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا وَمِثْلُهُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ وَعَنْ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَعَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ أَحْمَدَ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْد النَّسَائِيّ وَعَن بن عُمَرَ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَعَنْ أُمِّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015