ثانياً: إذا أردت الابتعاد عن معصية من المعاصي التي ترين أن لا قدرة لك عن الابتعاد المباشر عنها، فابدئي بالتدريج شيئاً فشيئاً، فنفوسنا كالطفل الذي تعلق بالرضاع من أمه لا تستطيع فطمه إلا بالتدريج. وهي سنة ماضية عالج القرآن بها أم الخبائث (الخمر) التي تعتبر من أصعب ما يمكن، ومع ذلك كان التدرّج حاسماً لتسكين الفتنة بها.
ثالثاً: قد ذكرت في سؤالك أن الإنسان لا يجوز له أن يعصي بعد أداءه لفريضة الحج، ولو فعل ذنباً ولو كان بسيطاً فإن الآثار المترتبة ـ على حد تعبيرك ـ تكون مدمية.
والجواب: لو كان ما ذكرته صحيحاً لما صح (معنى) حديث النبي عليه الصلاة والسلام: فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة". رواه النسائي (810) والترمذي (810) وصححه فهذا دليل على أن قبل الحج وبعده ذنوب، فإذا كان الإنسان كثير الحج والعمرة فإن ذنوبه تزال بهذه المتابعة.
وليس القصد أن نقول بأنه يجوز للإنسان أن يعصي بعد الحج، فإننا مأمورون بالانتهاء عن المعاصي بعد الحج وقبله، ولكن تخصيص ذلك لا دليل عليه، ولا دليل كذلك على أن المعصية ولو كانت بسيطة إذا كانت بعد الحج فإن آثارها مدمية، فمن مقاصد الحج وأسراره وحكمه أنه جاء ليكفر عن الإنسان ذنوبه، وفي الحثّ الإكثار والمتابعة كما سبق
دليل على أن الإنسان قد يعصي بعد الحج ليأتي الحج القادم ويكون مكفراً له عن ذنوبه التي فعلها بعد حجه الأول دون الإشارة إلى الجواز وعدمه.
ثالثاً: لا يوجد أحد من البشر معصوماً من المعاصي، فالامتناع عن فعل المعصية مستحيل شرعاً وهو أشبه بالمستحيل العقلي، ولذلك صح عنه -عليه الصلاة والسلام- من حديث أبى هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لو لم تذنبوا لذهب الله تعالى بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله تعالى فيغفر لهم". رواه مسلم (2749) .