ومع يقيني أن هذا القدر من الخوف الذي غشيك إنما هو من الشيطان، فإن ذلك لا يمنع أن يكون عقوبة عجّلها الله لك، تتناسب بوجه ما مع اللذة التي غمرتك أثناء مواقعة الفاحشة، «والجزاء من جنس العمل» ونرجو أن تكون كفارة، فإن ما يصيب القلبَ من الهمّ والحزن والخوف والقلق هي عقوبات بما كسبت أيدي الناس، قال الله - تعالى -: "وما أصابك من سيئة فمن نفسك" [النساء:79] ومع ذلك فإن من كرم الله وفضله علينا أن الله يكفر بها عمن يشاء من عباده إذا هم احتسبوا وصبروا. مصداق ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه عند البخاري (5642) ، ومسلم (2573) ، ومن حديث أبي سعيد وأبي هريرة - رضي الله عنهما -.
ولا أدري ما الذي أشعرك بأن الله لم يقبل توبتك؟!.
إن معاودتك لمشاهدة الصور الإباحية دليل على أن خوفك لم يكن صادقًا بما فيه الكفاية، لكنه ليس دليلاً على عدم قبول التوبة مطلقاً، كما يؤكد استمرارك في المشاهدة أنك تشكو من ضعف في نفسك التي تتغلب عليك، قال - صلى الله عليه وسلم -: «ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» متفق عليه. عند البخاري (6114) ومسلم (2609) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فالقوي في المنظور الشرعي وعلم النفس الحديث، هو الذي يقوى نفسه ويديرها لا أن تديره وتوجهه إلى ما فيه هلاكه، وليس ذلك خاصاً بالغضب الذي مثّل به النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل يقوى نفسه حتى عند الشهوة، فإنهما (الغضب والشهوة) مغروزان في الإنسان لكن الشيطان يستغلهما للانحراف بالإنسان، من خلال الإفراط (وهو الأكثر) والتفريط.
إن معرفتك خطأ فعلك وشعورك بالندم عليه وإعلان توبتك هي علامات لصحة الاتجاه الذي سلكته مع نفسك إلى الله، لكن ذلك لا يكفي، فعليك مجاهدة نفسك أولاً وقبل كل شيء، بأن تقطع الأسباب التي دفعتك (أو جذبتك للفاحشة) وهي مداومة النظر للصور المحرمة، ويغلب على ظني أن الفعلة التي وقعت فيها لم تكن عن لذة تبحث عنها بقدر ما هي شهوة تسببت في استثارتها، فأردت أن تطفئها فازدادت اشتعالاً.
وربما كان أول العقوبة التي يقع فيها من يشاهد الأفلام الإباحية هي عدم شعوره باللذة مع زوجته التي أحلها الله له، وذلك أن تلك المشاهدات نقلت اللذة الطبيعية التي يجدها الإنسان في القرب من أهله وغشيانهم إلى لذة وهمية لا يجدها إلا من طريق عينيه، بما تتضمنه وسائل العرض الإجرامية من محاولات استثارة غير حقيقية لا يمكن أن يجدها الإنسان في الواقع، ولذلك ربما أتعب بعض الذين يشاهدون زوجاتهم بحركات قد لا يحسنّها؛ طمعاً منهم أن يجدوا هيجان الشهوة التي تغمرهم أثناء المشاهدة، وهذه والله عقوبة.
وإذا كنت تشعر بشفقة على زوجتك أن يصيبها مكروه (أعيذها بالله من ذلك) ، فإن الشفقة على زوجات من يشاهدون الأفلام ويجبرونهن بمحاكاة البغايا والمومسات في اللباس والحركات والموضات والجماع لا تقل عن ذلك.