المجيب محمد بن إبراهيم الحمد
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مشكلات دعوية
التاريخ 6/2/1425هـ
السؤال
لدي أصدقاء إذا قدمت لهم شيئاً من النصيحة احتجوا بأن ما يفعلونه انما هو قضاء وقدر؟
الجواب
الحمد لله أما بعد: فإن الإيمان بالقدر لا يمنح العاصي حجة على ما ترك من الواجبات، أو فعل من المعاصي. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: " وليس لأحد أن يحتج بالقدر على الذنب باتفاق المسلمين، وسائر أهل الملل، وسائر العقلاء؛ فإن هذا لو كان مقبولاً لأمكن كل أحد أن يفعل ما يخطر له من قتل النفوس، وأخذ الأموال، وسائر أنواع الفساد في الأرض، ويحتج بالقدر. ونفس المحتجّ بالقدر إذا اعتدي عليه، واحتج المعتدي بالقدر لم يقبل منه، بل يتناقض، وتناقض القول يدل على فساد، فالاحتجاج بالقدر معلوم الفساد في بداية العقول ". مجموعة الفتاوى 8 / 179. وبما أن هذا الأمر مما يعمّ به البلاء فهذا إيراد لبعض الأدلة الشرعية والعقلية، والواقعية التي يتضح من خلالها بطلان الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي أو ترك الطاعات:
1- قال الله - تعالى -: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ) [الأنعام: 148] ، فهؤلاء المشركون احتجوا بالقدر على شركهم، ولو كان احتجاجهم مقبولاً ما أذاقهم الله بأسه.
2- أن القدر سر مكتوم، لا يعلمه أحد من الخلق إلا بعد وقوعه، وإرادة العبد لما يفعله سابقةً لفعله، فتكون إرادته للفعل غير مبنية على علمٍ بقدر الله، فادعاؤه أن الله قدَّر عليه كذا وكذا ادِّعاءٌ باطل؛ لأنه ادعاءٌ لعلم الغيب، والغيب لا يعلمه إلا الله، فحجته إذاً داحضة؛ إذ لا حجة للمرء فيما لا يعلمه.
3-ومما يرد هذا القول - أيضاً - أننا نرى الإنسان يحرص على ما يلائمه في أمور دنياه حتى يدركه، ولا يعدل عنه إلى ما لا يلائمه ثم يحتج على عدوله بالقدر. فلماذا يعدل عما ينفعه في أمور دينه إلى ما يضره ثم يحتج بالقدر؟ ! وإليك مثالاً يوضح ذلك: لو أراد إنسان السفر إلى بلد، وهذا البلد له طريقتان، أحدهما آمن مطمئن، والآخر كله فوضى واضطراب، وقتل، وسلب، فأيهما سيسلك؟ لا شك أنه سيسلك الطريق الأول، فلماذا لا يسلك في أمر الآخرة طريق الجنة دون طريق النار؟