ثم نظر هذا الرجل إلى زوجة سعد - رضي الله عنها- وقال لها مستجديا: اطلقيني ولك عهد الله وميثاقه، لئن لم أقتل لأرجعن إليك حتى تجعلي الحديد في رجلي، فاستجابت له وأطلقته، وحملته على فرس لسعد - رضي الله عنه- بلقاء، وخلت سبيله، وأطلقت سراحه، وانطلق الأسد من عرينه لا يلوى على شيء، وجاس خلال صفوف العدو، وشد عليهم وكر، حتى جعلهم شذر مذر، وشتت شملهم، وأوقع الرعب في قلوبهم، وسعد رضي الله عنه- ينظر من فوق الحصن وهو مطل على أرض المعركة، ولكنه في ذهول مما يحدث أمامه، الفرس فرسه، والكر والفر من صنيع هذا الرجل، لكن الرجل في القيد والفرس في رباطها، وأخذ الرجل يفعل بالفرس الأفاعيل، لا يترك لهم شاردة ولا واردة، ولا شاذة ولا فاذة إلا اقطتعها بيمينه المباركة، وسعد - رضي الله عنه- ينظر ولا يكاد يصدق ما يرى، لكنها الحقيقة ماثلة أمام ناظريه، فلا مجال للشك، واستمرت المعركة على هذا المنوال الفريد، وتلك البسالة الفائقة من هذا الرجل العظيم، حتى انتهت المعركة بنصر المسلمين، وتم فتح القادسية، ورجع الرجل مرة أخرى إلى امرأة سعد -رضي الله عنهما- وفاءً بما أخذ على نفسه من وعد، ووُضع القيد في رجله، ونزل سعد - رضي الله عنه- من أعلى الحصن، وذهب إلى فرسه حيث تركها، فوجدها كما كانت، لكن وجد عليها العرق، فعرف أنها قد رُكبت، فسأل عن الخبر، فأخبرته زوجته بقصة هذا الرجل المقيد في الأغلال، وأنه كان من أمره ما كان، أتدري - يا رعاك الله- ما اسم هذا الرجل؟ إنه الصحابي الجليل أبي محجن الثقفي - رضي الله عنه وأرضاه-.
أرأيت - أيها الحبيب- كم من أناس عندهم من المعاصي الشيء الكثير لكنهم يحملون بين جوانحهم نفساً تواقة للعمل لهذا الدين والدعوة إليه.
فلا تكن أسيراً لذنوبك ومعاصيك، وتحرر من ذل المعصية وشؤم الذنب، وتب إلى الله واكمل المسير، وانطلق داعية إلى الله بكل ما أتاك الله من قوة وعلم وبصيرة.
أسأل الله أن يوفقنا وإياك لكل خير وبر، ويصرف عنا وعنك كل سوء وشر. هذا والله أعلم، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.