إن البداية الحسنة أو براعة استهلال ذهاب الصغير للمدرسة تأتي أهميتها من أن أول خبرة بالمدرسة - سواء سبقها الإعداد السليم أو الخاطئ أو عدم الاستعداد أصلاً - تشكل كل اتجاه الصغير نحو المدرسة لسنوات قادمة. والخبرة المريرة بالمدرسة تتطور إلى خشية تتزايد عاماً بعد آخر، حتى يجيء الوقت الذي يثور فيه الشاب على والديه طالباً عدم الذهاب لهذه المدرسة ويضطر هؤلاء لإخراجه منها.
من ناحية أخرى، يتوقف تكيف الصغار بالمدرسة على الطريقة التي تستقبلهم بها أول أيام التحاقهم بالصف الأول منها، فنظام المدرسة، وشخصية المدرسين، بصرف النظر عن المعدات المادية لحجرات الدراسة والمواد الدراسية أو جداول الحصص والكتب المقررة ... الخ هي التي ستهيئ الجو النفسي الاجتماعي اللازم لتوافق الصغير بالمدرسة وحبه لها، وبالتالي نمو شخصيته في المدى البعيد، ونجاحه التحصيلي في المدى القريب. والعلاقات التي تخلق هذا الجو الصحيّ العقلي أو المرضي اللاتوافقي فيما بين المعلم والتلميذ الصغير وزملاء الدراسة هي التي ستحدد للمستقبل ما إذا كانت المدرسة تخرج المواطن الصالح أم الحدث المنحرف.
مؤشرات الأهبة للتكيف المدرسي:
إن خبرة الذهاب إلى المدرسة نقلة كبرى من بيئة البيت إلى بيئة غريبة مختلفة تماماً، ومعنى هذا ضرورة التوافق مع أناس ومواقف وأحوال سلوك جديدة على الصغير ولا عهد له بها بعد. فهل من سبيل لمعرفة متطلبات هذا التوافق قبل سن الدخول للمدرسة للإعداد لها حتى يمر الطفل بخبرتها أكثر سهولة ويسراً؟ وما هي الخبرات قبل المدرسية الأولية؟
أثبتت البحوث أن التلاميذ الذين يرسبون بالصف الأول أقل نضجاً جسمياً من جماعة الناجحين بالصف كما سبق القول فالنضج الجسمي يبدو أنه يتصل بالأهبة للمدرسة.
إن القدرة على إيجاد توافقات بمواقف جديدة يتوقف - في جزء منها - على الذكاء لكن أهم من ذلك خبرات الصغير السابقة في توافقاته. فإلى أن تكون قد استقرت عادات سلوكه الأساسية فيزيولوجياً، وحركياً، واجتماعياً، ينبغي لبيئة الصغير أن تظل من الثبات وعدم التغير قدر الإمكان، وأي تغير ولو طفيف عرضةً لأن يقلب رأساً على عقب الطفل دون الثالثة، أما منذ تلك السن فإن تنويعات الروتين - إن لم تكن كبيرة جداً مفيدة أكثر منها ضارة، لأنها تساعد الصغير على القيام بتوافقات بالظروف المتغيرة التي سوف يتعلم عاجلاً أو آجلاً التعود عليها.
كذلك فكل توافق بأشخاص ومواقف جديدة يصبحه قدر معين من التوتر الانفعالي. والكبار أنفسهم في مواجهة المواقف الجديدة أو القيام بأدوار لم يتدربوا عليها كتسليم الوظيفة، والانتقال لبلد آخر أو السكن بحي جديد مع جيران جدد، والزواج كعشرة شريك الحياة ... يعانون الشد الانفعالي ويلزمهم الوقت للتوافق - هذا الذي هو أصعب في حالة الطفل بالنظر لقلة خبراته، حيث يتبدّي توتره الانفعالي الحاد بمختلف الطرق التي أكثرها شيوعاً قابلية الإثارة عموماً، الميل للصرّاخ من غير سبب ظاهر، فقدان الشهية، صعوبات النوم، القيئ، نقصان الوزن، اضطرابات الكلام: مضغاً وتهتهة وتمتمة.