المجيب سعد بن عبد الله الماجد
عضو هيئة التدريس بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الأسرية/معاملة الوالدين
التاريخ 13/02/1427هـ
السؤال
والدي -هداه الله- هجرني وتركني بعد طلاقه لوالدتي، ولكنه كان راضياً عني. وأنا الآن لا أستطيع الوصول إليه، أو حتى بره، فهل يعتبر ذلك عقوقاً مني، وهل عليّ ذنب؟ علماً أنه كان قبل طلاقه لأمي يعاملني معاملة سيِّئة، وما كان مني إلا الصبر عليه واحترامه.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالله تعالى أمرنا ببر الوالدين، حتى وإن كانا مشركين، فقال: "وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا" [لقمان:15] . ولكن لا يطاعان في معصية الخالق جل وعلا، إذ إن بر الوالدين أوأحدهما واجب عليكِ. وأما قولك: لا أستطيع الوصول إليه، فالحمد لله أسباب الاتصال أصبحت الآن متوفرة، إما عن طريق المواصلات أو المراسلة أو التليفون، فإن لم تستطيعي -على حد قولك- فادعي له بالهداية والصلاح والمغفرة، وعليك تذكر الأجر المترتب للبر وصلة الرحم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الْأَهْلِ مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ مَنْسَأَةٌ فِي الْأَثَرِ". أخرجه أحمد (8513) ، والترمذي (1979) ، وهو في البخاري (5985) بلفظ مختلف دون أوله. وَمَعْنَى قَوْلِهِ مَنْسَأَةٌ فِي الْأَثَرِ يَعْنِي بِهِ الزِّيَادَةَ فِي الْعُمُرِ، ومن وصل رحمه وصله الله، وكم سمعنا من قصص ممن عقوا والديهم وقطعوا أرحامهم، وكيف كانت عقوبتهم في الدنيا قبل الآخرة. قال تعالى "فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم" [محمد:22] وأما ما حصل من أبيك فعفا الله عما سلف، وحقه عليكِ أعظم من حقكِ عليه، لذلك أمر الله تعالى الأبناء ببر الآباء، ولم يأمر الآباء ببر الأبناء، فقال تعالى: "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا" [النساء:36] فقرن الإحسان إليهما مع عبادته في موضع واحد، وقال سبحانه: "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا" [الأنعام:151] وقال: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما" [الإسراء:23] "ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون" [العنكبوت:8] . وفي الحديث الذي أخرجه البخاري (527) ، ومسلم (85) عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- أي العمل أحب إلى الله؟ قال: "الصلاة على وقتها"قال: ثم أي؟ قال: "ثم بر الوالدين". قال: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله؟ قال: حدثني بهن ولو استزدته لزادني.
فجاهدي نفسك على بر والدك والاعتذار عنه فيما سلف والدعاء له، والله يعينك على ذلك، وبالله التوفيق والسداد.