يؤيد هذا الوجه الرابع: وهو قوله -صلى الله عليه وسلم- في الصحيح:"العائد في هبته كالعائد في قيئه، ليس لنا مثل السوء"، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يذكر هذا المثل إلا ليبين أن الإنسان إذا شابه الكلب كان مذموماً، وإن لم يكن الكلب مذموماً في ذلك من جهة التكليف، ولهذا ليس لنا مثل السوء، والله سبحانه قد بين بقوله:"ساء مثلاً" أن التمثيل بالكلب مثل سوء، والمؤمن منزه عن مثل السوء، فإذا كان له مثل سوء من الكلب كان مذموماً بقدر ذلك المثل السوء"، ثم ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله- الوجه السادس وهو: حرمة تشبه الرجال بالنساء، وتشبه النساء بالرجال فيما يختص به كل جنس وقال عقب ذلك:"فإذا كانت الأمور التي هي من خصائص النساء ليس للرجال التشبه بهن فيها، والأمور التي هي من خصائص الرجال ليس للنساء التشبه بهم فيها، فالأمور التي هي من خصائص البهائم لا يجوز للآدمي التشبه بالبهائم فيها بطريق الأولى والأحرى، وذلك لأن الإنسان بينه وبين الحيوان قدر جامع مشترك، وقدر فارق مختص، ثم الأمر المشترك: كالأكل والشرب، والنكاح والأصوات والحركات، لما اقترنت بالوصف المختص كان للإنسان فيها أحكام تخصه ليس له أن يتشبه بما يفعله الحيوان فيها، فالأمور المختصة به أولى، مع أنه في الحقيقة لا مشترك بينه وبينها، ولكن فيه أوصاف تشبه أوصافها من بعض الوجوه، والقدر المشترك إنما وجوده في الذهن لا في الخارج. وإذا كان كذلك فالله تعالى قد جعل الإنسان مخالفاً بالحقيقة للحيوان وجعل كماله وصلاحه في الأمور التي تناسبه، وهي جميعها لا يماثل فيها الحيوان، فإذا تعمد مماثلة الحيوان، وتغيير خلق الله فقد دخل في فساد الفطرة والشرعة، وذلك محرم والله أعلم". مجموع الفتاوى (32/256-260) .
وأما ما ذكره الأخ السائل من كون النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يركب الحسن والحسين على ظهره ويقول:"نعم المطية مطيتكما" رواه الطبراني وغيره، وفي بعض الروايات:"نعم الجمل جملكما، ونعم العدلان أنتما".
فليس في هذا ما يعارض ما سبق لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يداعب الحسن والحسين ويقول هذا عندما يبتدرانه بالركوب على ظهره، وهذا النوع من المداعبة شائع بين الأب وأبنائه ويتم بطريقة عفوية، ولم يقصد النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك تمثيل حال الحيوان ومشابهته وحاشاه من ذلك.
وبهذا تبقى القاعدة على عمومها وهو أن التشبه بالحيوان جاء في الكتاب والسنة في مقام الذم.
وعلى التسليم بكون التشبه بالحيوان في أحيان قليلة لا يكون وارداً في مقام الذم فهذا لا يؤثر في صحة الاستدلال بهذه القاعدة على منع تمثيل الحيوانات في الجملة، ويبقى الجواز قاصراً على ما ورد تخصيصه بالنص، وهو حال مداعبة الرجل لأبنائه كما في قصة الحسن والحسين مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن المعلوم أن الحال المستثناة من النص العام لا يقاس عليها.
ثانياً: الضرب بالدف وقع فيه خلاف بين الفقهاء على ثلاثة أقوال: فهناك من قصر جوازه على الأعراس، وهناك من أجازه أيضاً في الأعياد وقدوم الغائب وبعض الولائم على خلاف في بعضها، وهناك من أجازه مطلقاً.