أولاً: ينبغي أن يعلم أن التمثيل في أصله محل خلاف بين فقهاء العصر، فهناك من أهل العلم من يمنعه مطلقاً، وهناك من يجيزه بقيود معينة، وليس هذا مقام التوسع في ذكر الخلاف وأدلته، ولكن الذي يهمنا منه أن من أجاز التمثيل قيده بقيود يلزم توافرها، ومن هذه القيود ألا يشتمل التمثيل على محاكاة البهائم ومشابهتها، لأن محاكاة البهائم ومشابهتها إذا نظرنا إليه في الكتاب والسنة نجد أنه يرد في مقام الذم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:"التشبه بالبهائم في الأمور المذمومة في الشرع مذموم منهي عنه، في أصواتها وأفعالها، ونحو ذلك، مثل: أن ينبح نبيح الكلاب، أو ينهق نهيق الحمير، ونحو ذلك، وذلك لوجوه: أحدها: أنا قررنا في اقتضاء الصراط المستقيم، نهي الشارع عن التشبه بالآدميين الذين جنسهم ناقص كالتشبه بالأعراب وبالأعاجم وبأهل الكتاب ونحو ذلك في أمور من خصائصهم، وبينا أن من أسباب ذلك أن المشابهة تورث مشابهة الأخلاق، وذكرنا أن من أكثر عِشرة بعض الدواب اكتسب من أخلاقها: كالكلاّبين، والجمالين، وذكرنا ما في النصوص من ذم أهل الجفاء وقسوة قلوب: أهل الإبل، ومن مدح أهل الغنم، فكيف يكون التشبه بنفس البهائم فيما هي مذمومة؟ بل هذه القاعدة تقتضي بطريق التنبيه النهي عن التشبه بالبهائم مطلقاً فيما هو من خصائصها، وإن لم يكن مذموماًَ بعينه، لأن ذلك يدعو إلى فعل ما هو مذموم بعينه، إذ من المعلوم أن كون الشخص أعرابياً أو عجمياً خير من كونه كلباً أو حماراً أو خنزيراً، فإذا وقع النهي عن التشبه بهذا الصنف من الآدميين في خصائصه؛ لكون ذلك تشبهاً فيما يستلزم النقص ويدعو إليه، فالتشبه بالبهائم فيما هو من خصائصها أولى أن يكون مذموماًَ ومنهياً عنه.
الوجه الثاني: أن كون الإنسان مثل البهائم مذموم، قال تعالى:"ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون".
والوجه الثالث: أن الله سبحانه إنما شبه الإنسان بالكلب والحمار ونحوهما في معرض الذم له كقوله:"فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ساء مثلاً القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون" وقال تعالى:"مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً" الآية، وإذا كان التشبه بها إنما كان على وجه الذم من غير أن يقصد المذموم التشبه بها، فالقاصد أن يتشبه بها أولى أن يكون مذموماًَ، لكن إن كان تشبه بها في عين ما ذمه الشارع صار مذموماً من وجهين، وإن كان فيما لم يذمه بعينه صار مذموماً من جهة التشبه المستلزم للوقوع في المذموم بعينه.