وقد ثبت في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "خير القرون القرن الذي بعثت فيه ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"، وحينئذ فمن جزم في واحدٍ من هؤلاء بأن له ذنباً يدخل به النار قطعاً، فهو كاذبٌ مفترٍ، فإنه لو قال ما لا علم له به لكان مبطلاً، فكيف إذا قال ما دلت الدلائل الكثيرة على نقيضه؟!.

فمن تكلم فيما شجر بينهم، وقد نهى الله عنه من ذمهم، أو التعصب لبعضهم بالباطل، فهو ظالم معتد، وقد ثبت في الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق"، وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال -عن الحسن-: "إن ابني هذا سيدٌ، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين"، وفى الصحيحين -عن عمار أنه قال- "تقتله الفئة الباغية"، وقد قال تعالى: "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) ، فثبت بالكتاب والسنة، وإجماع السلف على أنهم مؤمنون مسلمون، وأن علي بن أبي طالب -والذين معه- كانوا أولى بالحق من الطائفة المقاتلة له، والله أعلم" [ينظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 4/432] .

خامساً: قولك: "ثم ما الداعي لأن نعصم، أو نقول بعصمة كل الصحابة بدون أن نصرح بذلك؟ " والجواب عن ذلك بأن أقول:

من قال بأن الصحابة معصومون؟ لا أحد يقول بذلك ممن يعتد به من أهل العلم، بل هم -بالإجماع- يصيبون ويخطئون!

ولم نسمع عن العصمة لغير الأنبياء -في أمة محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- إلا عند الشيعة الإمامية الذي يدعون العصمة لأئمة أهل البيت، وقدوتهم في ذلك ابن سبأ الذي ادعى العصمة لعلي -رضي الله عنه-.

وأفهم من قولك: "بعصمة كل الصحابة" أنك ترى أن بعضهم قد يكون معصوماً! وهذا ما لم يقل به أحدٌ أبداً من السلف -كما قلت لك- بل لن يستطيع أحدٌ أبداً أن يأتي بحرف واحدٍ عن أحد من الصحابة -رضي الله عنهم- يقول فيه بعصمة أحدٍ منهم، وإذا كان هذا في حقهم ممتنعاً شرعاً، أفتظن أن العصمة ستكون لمن جاء بعدهم؟!

سادساً: الآية التي استدللت بها لا تصلح للاستدلال على عدم ثبوت العصمة؛ لأن هذا في مقام بيان عقوبة مَن خالف الأمر والنهي، ولا يلزم منه الوقوع أصلاً، وهذا يستوي فيه جميع المكلفين، حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ألم تقرأ قول الله -عز وجل-: "وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ" [الزمر:65] ؟! وقوله تعالى: "وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً * إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً" [الإسراء:75-74] ؟!

ولا يمكن لأحد أن يقول بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يمكن أن يشرك شرعاً، أو يركن إلى الذين كفروا -حاشاه من ذلك-.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015