المجيب صالح بن درباش الزهراني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/01/1427هـ
السؤال
ما هي الشروط التي تؤخذ في الاعتبار لإدانة شخص بالزندقة؟ مثل من يقول: إن القرآن مخلوق؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وبعد:
فإن لفظ الزندقة ليس من كلام العرب، وإنما هو لفظ أعجمي معرَّب، أُخذ من كلام الفرس بعد ظهور الإسلام، وعُرِّب.
وقد أُطلق هذا المصطلح على معانٍ متعددة خلال تاريخ المسلمين:
فهو يُطلق على من ينكر وجود الله كالدهرية وأصناف الملاحدة.
ويطلق على من ينكر وحدانية الله -تعالى- كالثنوية والمجوس القائلين بإلهين اثنين هما النور والظلام، وكالنصارى القائلين بالتثليث، وغيرهم ممن يعتقد تعدد الآلهة، كما يطلق على من يقول بتأليه البشر، كما هو حاصل عند بعض الفرق والطوائف.
ويُطلق أيضاً على من يدّعي النبوة، أو ينكر اليوم الآخر بالكلية أو ينكر بعض حقائقه.
وقد أطلقه بعض السلف على الجهمية، كما فعل ذلك الإمام أحمد والدارمي وغيرهما.
وقد يطلق على أصحاب المجون والفحش، والمستبيحين للمحارم.
والمراد به في عرف الفقهاء هو المنافق، الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر.
وعموماً فلفظ الزندقة يطلق على أصناف المارقين من الدين والمرتدين عنه بأي شكل من الأشكال، ومن ذلك جحد بعض الأحكام الشرعية أو كلها، كمن يرى عدم صلاح الشريعة الإسلامية لهذا العصر، أو يعتقد أن سبب تخلف المسلمين هو تمسكهم بدينهم، أو يرى أن الحدود الشرعية وحشية لا تناسب العصر الحاضر، أو أن الإسلام ظلم المرأة وحجر عليها عندما أمرها بالحجاب، أو أن الفائدة الربوية ضرورة اقتصادية في العصر الحاضر ... أو نحو ذلك من الدعاوى.
إذا تبين هذا فينبغي التنبه إلى مسألة التفريق في الحكم بين الفكرة وقائلها، إذ الحكم على معين بأنه زنديق لمجرد تلبسه ببعض أفكار الزنادقة لا يجوز إلا بعد إقامة الحجة عليه، وذلك بتوفر الشروط وانتفاء الموانع، ككونه عالماً عامداً غير مكره ولا متأول ولا جاهل ...
فإذا أقيمت الحجة عليه وأصرَّ بعد ذلك فهو زنديق.
أما بالنسبة لما يستحقه من العقوبة على زندقته فهذا مرجعه إلى ولاة الأمور، فهم المسؤولون عنه، ولا يجوز الافتيات عليهم في ذلك، أما ما عدا ذلك من النصح والإنكار عليهم وهجرهم وتحذير الناس منهم ومن زندقتهم فهذا واجب على من قدر عليه، وتيقن ذلك منهم.
وأما مسألة خلق القرآن فهي مسألة عظيمة الشأن؛ إذ لها تعلُّق بصفات الله تعالى، فمن قال بخلق القرآن فهو نافٍ لصفة الكلام، وقد كفّر السلفُ القائلين بهذه المقالة على وجه العموم والإطلاق.
أما أعيان القائلين بهذه المقالة فلا يكفّرون حتى تقام عليهم الحجة التي من خالفها يكون كافراً، فهذا الإمام أحمد لم يكفِّر الخلفاء القائلين بها والذين امتحنوه فيها، وكذلك القضاة والفقهاء الذين تولوا كبرها، بل كان يناظرهم، فإذا حضرت الصلاة صلى خلفهم، ولو كان معتقداً كفرهم ما صلى خلفهم، إذ الصلاة خلف الكافر لا تجوز، والمانع له من تكفيرهم أنهم قد عرضت لهم شُبَهٌ منعت من تكفير أعيانهم، مع أن أصل مقالتهم كفرٌ وضلال.
والله أعلم وأحكم.