ولهذا فقد أجمع العلماء على تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة، كما حكاه النووي في شرح صحيح مسلم (14/29) ، وغيره، ثم اختلفوا في جواز استعمال الآنية منهما أو من أحدهما في غير الأكل والشرب من سائر وجوه الاستعمال، والجمهور على التحريم أيضًا، كما في فتح الباري (10/97) ، وحكاه النووي إجماعاً، حيث قال: "الإجماع منعقد على تحريم استعمال إناء الذهب وإناء الفضة في الأكل والشرب والطهارة، والأكل بمعلقة من أحدهما، والتجمر بمجمرة منهما، وجميع وجوه الاستعمال، ومنها: المكحلة، والميل، ... ويستوي في التحريم الرجل والمرأة بلا خلاف ... " ا. هـ، وقد تعقب الشوكاني النووي في حكاية هذا الإجماع، ورجح القول بجواز استعمالهما في غير الأكل والشرب، كما في نيل الأوطار (1/116) ، والأظهر هو التحريم، كما ذهب إليه ابن القيم في إعلام الموقعين (1/207) ، حيث قال: (وهذا التحريم لا يختص بالأكل والشرب، بل يعم سائر وجوه الانتفاع، فلا يحل له أن يغتسل بها، ولا يتوضأ بها، ولا يدهن فيها، ولا يتكحل منها، وهذا أمر لا يشك فيه عالم، ومن ذلك نهي النبي - صلى الله عليه وسلم- المحرم عن لبس القميص، والسراويل، والعمامة، والخفين، ولا يختص ذلك بهذه الأشياء فقط، بل يتعدى النهي إلى الجباب.. والقبعة، والطاقية، والكوفية ... ) ا. هـ. هذا بالنسبة لاستعمال الآنية المتخذة من الذهب أو الفضة، أما الآنية المموهة أو المطلية بهما أو بأحدهما فالراجح أنها محرمة أيضاً؛ لأنه يشملها اسم الذهب والفضة، ويطلق عليها أنها مطلية بذهب وفضة أو بأحدهما، والفرق بين الخالص والمطلي أن الخالص من الذهب - مثلاً- هو ذهب صافٍ نقي من الشوائب الأخرى، أو فيه شوائب ولكنها قليلة مقارنة بالشوائب كالنحاس ونحوه، أما المطلي بالذهب فهو أقل منه نقاوة بكثير، ولكنه يحتوي على قدر من الذهب وإن كان قليلاً، ونقاوة الذهب (كما في الموسوعة العلمية للذهب والمجوهرات (1/16-103-104) تقاس بالقيراط، فإذا كان الذهب نقياً فإنه يكون كامل القراريط، وهو ما يسمى بعيار (24) قيراط، ودرجة النقاوة هنا تصل إلى (999) من (1000) وهي أعلى درجة في النقاوة، والدرجة التي تليها ما يسمى بعيار (22) قيراط، ودرجة النقاوة هنا تصل إلى (917) من (1000) ، وهكذا.. حتى يصل العيار إلى (10) قيراط، ودرجة النقاوة هنا تصل إلى (416) من (1000) ، وهذا القدر من الذهب وما كان أقل هو الذي يطلى به كثير من الآلات والأدوات لتبدو وكأنها مصنوعة بكاملها من الذهب، ويكون ذلك بلا شك بأقل كلفة من صنعها من الذهب الخالص، وعلى هذا فلا فرق بين المطلي وغيره، وإن كان الخالص أشد حرمة، لاشتراكهما في الاسم، والعلة التي لأجلها ثبت التحريم.