فمن جادل، واعترض على وصف العبادة الحادثة، التي لم تكن في عهد النبوة، مع توفر الدواعي لوقوعها بالبدعة. فعليه أن يفسر لنا هذا الأثر، وعلى أي شيء ينطبق؟ ومتى يكون العمل بدعة، ومتى لا يكون؟
في حقيقة الأمر أن المحدِثين في الأمة أنواع العبادات، التي لم تكن في العهد الأول: ليس ثمة عمل مردود عندهم، فكل ما استحسنته عقولهم، فهو من الدين!! وهذا غير مقبول، لا شرعًا، ولا عقلاً. وإلا فقل لي بربك عن هؤلاء الذين يستحبون الذكر بالاسم المفرد المجرد (المتصوفة) : ما العمل الذي يعدونه بدعة، مع ما يرتكبونه من بدع لا تُعَدُّ ولا تحصى؟!
جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "إِنَّ اللهَ حَجَب التَّوبةَ عَن صاحبِ كُلِّ بِدْعَةٍ". أخرجه الطبراني في الأوسط (4202) .
ومن هذا قال الحسن البصري: (أبى الله لصاحب بدعة بتوبة) .
والمعنى أن صاحب البدعة أقل توفيقًا واهتداء (وليس ممنوعًا منه) ، لاستمساكه بها، لظنه أنها من الدين، ليس كصاحب المعصية، الذي يشعر بالإثم والحرج، فهو أقرب للتوبة، ومن هنا قال سفيان الثوري: (البدعة أحب إلى الشيطان من المعصية، فإن المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها) .
وإذا احتج أحد بأن البدعة منها: الحسن، والسيئ. مستدلًا بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في صلاة التراويح: (نعم البدعة هذه) . أخرجه البخاري (2010) . فلنا أن نحاجه بقول النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، ومن وجب اقتفاء أثره، وتقديم قوله: "كُلُّ بِدْعةٍ ضَلَالَةٌ". أخرجه مسلم (867) . فهذا عام بألفاظه، فـ"كل" للعموم، و"بدعة" نكرة، والنكرة تعم، فلا يستثنى منها شيء إذن.
فلو فرضنا أن عمر، رضي الله عنه، قصد ما أرادوه، فقول النبي صلى الله عليه وسلم مقدم عليه بلا شك، فكيف والحقيقة أن عمر، رضي الله عنه، لم يقصد ما أرادوه؟
فإن عمر، رضي الله عنه، من أشد المحاربين للبدعة، وهذا مشهور، ولو اقتفى هؤلاء المحتجون به هنا: أقواله، وأفعاله، وآثاره. لأفسد عليهم كثيرا مما استحسنوه من العبادات المحدثة، مثل التبرك بالآثار!
- أليس هو الذي أمر بقطع شجرة الرضوان؟
- أليس هو الذي نهى عن تتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم، والصلاة فيها؟
فعمر بن الخطاب، رضي الله عنه، عدو البدع.. فلم يقصد بقوله ما أرادوه، بل قصد أنها بدعة نسبة إلى أنها لم تفعل منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، والتراويح ليست بدعة بالاتفاق، فإن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها في حياته- انظر صحيح البخاري (924) ومسلم (761) - ولا يظن بعمر، رضي الله عنه، أن تخفى عليه هذه المسألة.
وبخصوص الذكر بالاسم المفرد أو المجرد: أسوق أثرًا يوضح خطورة الاستحداث في طريقة الذكر، كما يعلن عن موقف صريح للصحابة، رضي الله عنهم، رافضًا لأي نوع من أنواع الإحداث، حتى لو دقّ وصغر، وهي فتوى من رضي الله عنهم، وعن دينهم، وأمر باتباعهم: