كيف أجتنب المجاهرة بالمعصية وانتهاكها في السر؟!

المجيب د. عبد الله بن عبد العزيز الزايدي

عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية

التاريخ 10/04/1427هـ

السؤال

ورد في قول صلى الله عليه وسلم: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين". وكذلك حديث العبد الذي يأتي يوم القيامة بحسنات كالجبال ثم يجعلها الله هباءً منثوراً، فكيف نتجنب المجاهرة والعصيان بالسر، سيما وأنتم تعلمون أن الإنسان ليس معصوماً من الخطأ والعصيان.

حيث أني قد ابتليت بالمعاصي في السر، ثم أتوب منها، لكن بعد وقت أرجع إلى ذلك الذنب، فما هو الحل جزيتم خيراً؟

الجواب

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أخي السائل وفقك الله لما يحب ويرضى، وجنبنا وإيّاك أسباب سخطه وغضبه، واجب المسلم عند توهم التعارض بين الآيات والأحاديث، أن يجمع بعضها إلى بعض، ويستقصي جميع النصوص في الموضوع الواحد، حتى يكون تصوره له صحيحا، فحديث النهي عن المجاهرة بالمعاصي أصح وأثبت، وقد رواه البخاري (6069) ومسلم (2990) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان: عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه.

وأما حديث ثوبان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا، فيجعلها الله هباء منثوراً". قال ثوبان: يا رسول الله: صفهم لنا جلهم لنا؛ أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم. قال: "أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها". وهذا الحديث لم يروه إلاّ ابن ماجة (4245) وقد طعن العلماء في الأحاديث التي يتفرد بها، وقد يصححه بعض المتأخرين، وقد يستدل البعض بقول الله عز وجل: "يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً" [النساء:108] ، وهو بمعناه، لكن الله تعالى لم يذكر حبوط العمل في الآية.

وعلى فرض صحة الحديث فلا تعارض بينه وبين حديث النهي عن المجاهرة إذا أدركنا مراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن المجاهرة بالمعاصي إثمها عظيم وذنبها كبير، لدلالتها على الاستهانة بالذنب والمعصية، وتشجيع الآخرين عليها.

ويحمل حديث ثوبان -رضي الله عنه- على من يكون هذا حاله دائما، بمعنى أنه لا يبالي بالوقوع في المحرمات متى خلا بها، ولا يقيم وزنا لرقابة الله واطلاعه عليه، وأما ارتكاب المعاصي في الخلوات أحيانا، فلا يكاد يسلم منه أحد، إلاّ من عصمه الله. نسأل الله أن يعامل الجميع بفضله.

ومعلوم أن من دعاء المؤمنين الاستغفار من الذنوب (ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا)

وفي الأحاديث الأخرى" ... يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا، لأتيتك بقرابها مغفرة". جامع الترمذي (3540) وفضائل التوبة دالة على أن العباد من شأنهم الخطأ والذنب. "كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون".

ولاشك أن المؤمن حيي لا يحب أن يجاهر بمعصيته، وهو حين يرتكب المعصية سرا -لغلبة الشيطان والنفس الأمارة بالسوء- يرجو مغفرة ربه ورحمته، فيعود سريعا للاستغفار والتوبة.

أسأل الله أن يوفقنا جميعا للتوبة النصوح.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015