هذا ومما يزيل الإشكال أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم، صاحب رسالة عازم على تبليغها وإظهارها، ولهذا روي عنه أنه قال: "والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه" تاريخ الطبري (2/315) ، وسيرة ابن هشام (1/284-285) ، والسلسلة الصحيحة (92) ، والضعيفة (909) . وإذا كان الأمر كذلك، فهل يليق بصاحب هذه الرسالة أن يخرج إلى الصعدات يجأر، ويترك ما حَمَّلَهُ ربه القائل "يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ" [المدثر:1] .
هذا ومن اطلع على سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وما يلقاه من الشدة عند تبليغ رسالة ربه، وعند نزول الوحي، عرف أنه -صلى الله عليه وسلم- ليس كغيره من الناس كما تقدم إيضاحه.
وجاء في صحيح مسلم (2867) في قصة مرور النبي صلى الله عليه وسلم ببعض القبور قال: "إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه"، ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: " ... تعوذوا بالله من عذاب القبر ... ".
قلت فهذا الحديث يدل على ما ذكرته من وجود الفرق بين المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وبين غيره من الناس، فالله سبحانه قد أطلعه على عذاب القبر، وأسمعه، وكان بالإمكان أن يدعو ربه لأمته أن يسمعها ما يسمع، لكنه صلى الله عليه وسلم امتنع عن ذلك لسبب ذكره صلى الله عليه وسلم بقوله: "لولا أن لا تدافنوا" ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد دفن كثيراً من أصحابه، فما منعه اطلاعه على عذاب بعض أهل القبور من الدفن، بينما يراه صلى الله عليه وسلم في أمته مانعاً، مما يدلك على أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس كغيره من الناس، فالله سبحانه قد ثبت فؤاده وقوى إيمانه، فلا يقاس عليه غيره مطلقاً.
هذا ما أردت إيضاحه حول هذا السؤال المهم، وهذا هو رأيي حول هذا الإشكال، فإن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأ فمني، ومن الشيطان، والله بريئ منه ورسوله.
والله أعلم وصلى الله علي نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.