الرضاع يكون في الحولين لقوله -تعالى-: "وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ" [البقرة: من الآية233] ، فهذه ليست غاية مدة الرضاعة، ولكنها غاية لتمام الرضاعة، فقد يفطم الصغير قبل الحولين، وقد يفطم بعدهما، إلا أن الأفضل أن يكون فطامه بعد تمام الحولين؛ لظاهر الآية، كما أن الرضاع الذي ينشر الحرمة هو ما كان في الحولين، وكذا المسائل التي يذكرها الفقهاء - رحمهم الله- في أجرة الرضاع، وما يتعلَّق بها إنما هي في الحولين، فقط اشترط الفقهاء - رحمهم الله - للتحريم بالرضاع أن يكون في الحولين لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا رضاع إلا ما كان في الحولين"رواه مالك في الموطأ (1290) موقوفاً عن ابن مسعود -رضي الله عنه- والدارقطني في سننه (4/174) عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، ولما رواه الترمذي (1152) عن أم سلمة - رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام"، ولعل الحكمة من ذلك - والله أعلم- أن الرضاع في الحولين له أثر على نمو الطفل، وخاصية في صلابة عظامه واشتداد لحمه، وكمال نموه ما لا يؤثر فيه غيره من أنواع الغذاء، وأن ما بعد الحولين يكون الحليب بالنسبة له كسائر الغذاء، ولعل هذا يستفاد مما سبق من الأحاديث، ولما رواه الشيخان البخاري (2647) ، ومسلم (1455) ، عن عائشة - رضي الله عنها- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- دخل عليها وعندها رجل قاعد فاشتد ذلك عليه، قالت: ورأيت الغضب في وجهه، قالت: فقلت: يا رسول الله إنه أخي من الرضاعة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "انظرن إخوتكن من الرضاعة فإنما الرضاعة من المجاعة"، قال ابن حجر - رحمه الله- في فتح الباري: وقوله: "من المجاعة" أي الرضاعة التي تثبت بها الحرمة، وتحل بها الخلوة هي حيث يكون الرضيع طفلاً لسد اللبن جوعته؛ لأن معدته ضعيفة، يكفيها اللبن وينبت بذلك لحمه فيصير كجزء من المرضعة، فيشترك في الحرمة مع أولادها، فكأنه قال: لا رضاعة معتبرة إلا المغنية عن المجاعة أو المطعمة من المجاعة كقوله -تعالى-: "أطعمهم من جوع" [قريش: 4] ، ومن شواهده حديث ابن مسعود - رضي الله عنه-: "لا رضاع إلا ما شد العظم، وأنبت اللحم ... " رواه أبو داود (2059) ، وأحمد (3905) ثم قال: واستدل به على أن الرضاعة إنما تعتبر في حال الصغر؛ لأنها الحال الذي يمكن طرد الجوع فيها باللبن بخلاف الكبر، وضابط ذلك تمام الحولين.. إلى أن قال: (قال القرطبي: في قوله - صلى الله عليه وسلم-: "فإنما الرضاعة من المجاعة" تثبيت قاعدة كلية صريحة في اعتبار الرضاع في المؤمن الذي يستغنى به الرضيع عن الطعام باللبن، ويعتضد بقوله -تعالى-: "لمن أراد أن يتم الرضاعة" [البقرة: 233] ، فإنه يدل على أن هذه المدة أقصى مدة الرضاع المحتاج إليه عادة المعتبر شرعاً، فمن زاد عليه لا يحتاج إليه عادة، فلا تغيير شرعاً إذ لا حكم للنادر. انتهى كلامه - رحمه الله-.