ثالثاً: إن مما يعضد هذا القول أن الأصل في المعاملات الحل والإباحة، فلا يحرم على الناس من المعاملات التي يحتاجون إليها إلا ما دل الكتاب والسنة على تحريمه، وليس هناك دليل على تحريم هذه المعاملة، فيبقى على الأصل، كما أن الحاجة داعية إليه، وذلك لما تتسم به النقود الورقية من كثرة التذبذب والتقلب وحدّتها وكثرة المداينات.

رابعاً: أن المصلحة داعية إلى هذا؛ لأن عدم اعتبار نسبة التضخم مع الاضطراب الحاصل في قيمة النقود الشرائية التبادلية يسبب نقص القيمة التبادلية للنقود لا سيما في الديون والقروض الطويلة الأجل فاعتبار نسبة التضخم يدفع هذا الضرر ويحقق المصلحة.

الحال الثانية: أن لا يكون هناك اتفاق بين المتعاقدين على اعتبار التضخم عند التعاقد ويطرأ تضخم أو تزيد نسبته بما يحصل به على الدائن ضرر لا يتسامح به عادة.

وقد اختلف الفقهاء المعاصرون في وفاء هذه الديون والالتزامات، هل يكون بما جرى عليه التعاقد قبل انخفاض القيمة الشرائية التبادلية للنقود، أو يكون بغير ذلك على ستة أقوال أرجحها القول بمراعاة التضخم الطارئ، ووجوب رد قيمة ما ثبت في ذمة المدين من الأوراق النقدية، لا قدرها. ووجه ترجيح هذا القول ما يلي:

أولاً: أن انخفاض القوة الشرائية التبادلية للنقود الورقية يُعدُّ عيباً مؤثراً يحول دون إلزام الدائن بها؛ لأنها بعد نقص قيمتها الشرائية أصبحت دون حقه الذي رضي به في العقد.

ثانياً: أن الواجب في الديون بذل مثل ما ثبت في الذمة، وانخفاض القيمة التبادلية للنقود الورقية يفوت ذلك، فتجب القيمة للدائن.

ثالثاً: أن الدائن بذل شيئاً منتفعاً به؛ ليأخذ شيئاً منتفعاً به. وفي إعطائه ما انخفضت قيمته الشرائية التبادلية من النقود الورقية تفويت لأهم ما يقصد بالعقد.

هذا بعض ما يستدل به للقول بالجواز، والله تعالى أعلم، ولمزيد تفصيل وتقرير في هذه المسألة طالع ما كتبته في كتاب التضخم النقدي في الفقه الإسلامي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015