أحكام المزارعة بيَّنها أهل العلم ووضحوها، والنبي - صلى الله عليه وسلم- عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع أو ثمر، وهو حديث متفق عليه عند البخاري (2286) وابن عمر - رضي الله عنهما-، وقد قال أبو جعفر: عامل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أهل خيبر بالشطر، ثم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان وعلي - رضي الله عنهم- ثم أهلوهم إلى اليوم يعطون الثلث والربع، وهذا أمر صحيح مشهور، عامل فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى مات، ثم خلفاؤه الراشدون حتى ماتوا، ثم أهلوهم من بعدهم، ولم يبق في المدينة أهل بيت إلا عمل به، فعمل به أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من بعده، فروى البخاري (2328) عن ابن عمر - رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع أو ثمر، فكان يعطي أزواجه مائة وسق ثمانون وسق تمرٍ، وعشرون وسق شعيرٍ ... إلى آخر ما جاء في ذلك، فكون الإنسان يتعامل بطريق المزارعة يكون بينه وبين صاحب الأرض معاملة يتفقون فيها على أن يكون البذر من أحدهم، والعمل من الآخر، أو يكون البذر والعمل من شخص، والأرض من آخر، ويقسم النتاج بينهما بحسب ما يتفقون عليه، فإن هذا جائز - إن شاء الله-، كما أنه جاء من حديث آخر بإجارة الأرض أنه تجوز إجارتها بالورق والذهب، والمراد بالورق: الفضة قال بعض أهل العلم: تجوز إيجارة الأرض بالورق والذهب، وسائر العروض سوى المطعوم في قول أكثر أهل العلم، قال أحمد: "قلما اختلفوا في الذهب والورق"، وقال ابن المنذر: "أجمع أهل العلم على أن اكتراء الأرض وقتاً معلوماً جائز بالذهب والفضة"، روينا هذا القول عن سعيد، ورافع بن خديج، وابن عمر، وابن عباس وغيرهم - رضي الله عنهم- وقالوا: "إن رافعاً قال: أما الذهب والورق فلم ينهنا- يعني النبي - صلى الله عليه وسلم- وفي رواية لمسلم: "أما بشيء معلوم مضمون فلا بأس" وعن حنظلة بن قيس أنه سأل رافع بن خديج عن كراء الأرض؟
فقال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن كراء الأرض قال: فقلت: بالذهب والفضة"، قال: إنما نهى عنها ببعض ما يخرج منها، أما بالذهب والفضة فلا بأس، انظر جميع هذه الروايات في صحيح مسلم (1547) ، وقد أجاب العلماء عن هذا الحديث بأن هذا لعله متقدم على خيبر، فقصة خيبر تكون ناسخة لهذا الموضوع، والذي عليه أهل العلم هو جواز التعامل مع أهل الأراضي بشطرها أو بثلث ما يخرج منها، أو بربع ما يخرج منها، أو نحو ذلك، وبالله التوفيق.