وأما ما يدور في البنوك من عمليات التورق فهي في الحقيقة معاملات تحايل على الربا، وقد استخدموا عقد الوكالة لإعطاء هذه العقود الصبغة الشرعية، فتجد البنك يصمم نماذج من عقود التوكيل بالشراء والبيع والقبض، ويكون دور العميل مجرد التوقيع، وما هي إلا ساعات وإذا بالمبلغ في حسابه، ولما كانت هذه الصورة هي السائدة في البنوك أصدر المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي تحريم التورق بالمعادن وغيرها مما يجري في الأسواق المالية العالمية.

وأما ما ذكرته من فتوى الشيخ ابن منيع، فالشيخ حفظه الله قد أفتى بتحريم الصيغة التي ذكرت، وإليك نص الفتوى:

التورق الباطل والتورق الصحيح

المجيب عبد الله بن سليمان بن منيع

عضو هيئة كبار العلماء

التصنيف الفهرسة/ المعاملات/ الربا والقرض/أحكام البنوك والتعامل معها

التاريخ 30/3/1425هـ

السؤال

فضيلة الشيخ: عبد الله المنيع ـ حفظه الله ـ: هل تتم عمليات البيع والشراء بنظام التورق تحت إشرافكم كهيئة شرعية، لأني قمت بتعبئة البيانات في فرع أحد البنوك الذي تشاركون في هيئته الشرعية ثم تم إبلاغي بأن المبلغ قد نزل في حسابي دون أن أرى بيعاً أو شراء ولكن أخبرت آنذاك أن ذلك يتم بمتابعة منكم أرجو إفادتي. وجزاكم الله خيراً.

الجواب

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

ما ذكره الأخ السائل الكريم بأنه صدر منا جواز التورق، نقول: نعم، والتورق لم يصدر جوازه منا فقط، وإنما هو رأي جمهور أهل العلم، فيما يتعلق بصحته، فقال به مجموعة كبيرة من علماء المذاهب المختلفة كالمذهب الحنفي والمالكي، والشافعي والحنبلي كما، صدر من سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم، والشيخ عبد العزيز بن باز - رحمهما الله- واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وكذلك مجمع الفقه التابع لرابطة العالم الإسلامي، وغيرهم والكثير من الهيئات الرقابية الشرعية للمؤسسات المالية، كلهم صدر منهم الحكم بجواز التورق.

ولكن التورق الذي ذكر السائل طريقته في سؤاله بأنه جاء للبنك وقال لهم أنا بحاجة إلى مبلغ خمسين ألف - مثلاً-، وأنهم قاموا بإجراء التورق بأنفسهم، ولم يعلم إلا والمبلغ مسجل في حسابه، نقول: هذا باطل، وليس صحيحاً فهو لم يتول لا بيعاً ولا شراء ولا مقابلة شيء من ذلك، ولا مباشرة أي شيء من هذا، فهذا أشبه ما يكون بشخص احتاج مبلغ خمسين ألف، فقالوا: لا بأس فنحن نعطيك الخمسين ألف ونضعها في حسابك ونقيدها عليك بستين ألفاً أو سبعين ألفاً أو أقل أو أكثر، نقول هذا باطل، ولا يصح، وليس هذا هو التورق وإنما التورق أن يأتي المريد للمبلغ، ويقول أيها البنك أنا أريد أن أشتري منكم سلعة بمبلغ كذا وكذا، ثم بعد أن يقوم البنك المعروض عليه البيع بتملك هذه السلعة يقوم ببيعها على هذا العميل، والعميل يتولى قبول البيع، والأول يتولى الإيجاب في البيع ثم تتم العملية بيعاً وشراء، وتنتقل السلعة إلى ملكية العميل وتستقر في ذمته المديونية، أي قيمة هذه السلعة ثم يقوم العميل بالتصرف بسلعته سواء كانت سيارة أو كانت أسهماً، أو كانت إسمنتاً، أو أي سلعة من السلع التي يجوز بيعها وشراؤها، بعد ذلك يتسلم سلعته ويتصرف فيها ببيعها أو يوكل من يبيعها، أو نحو ذلك.

هذه هي الطريقة التي أفتينا بها، أما أن يكون الأمر مثل ما ذكره السائل فنبرأ إلى الله من ذلك، ولا يمكن أن تكون هناك جهة شرعية تقول بجواز هذا التصرف الذي ذكره السائل بأنه بمجرد أن يبدي الشخص للبنك رغبته بأنه بحاجة إلى خمسين ألفاً، فيقال له خلال ساعة أو نصف ساعة أو شيء من هذا نقوم بالقيام بإجراءات شكلية، ثم نقيد ذلك في حسابك، فهذا باطل، ولا يصح، ولم يصدر منا فتاوى، ولا من إخواننا القائمين على الهيئات الرقابية بجواز ذلك، فعلى إخواننا العملاء أن يتقوا الله، وأن يعرفوا كيف يتعاملون، وينبغي للعميل إذا أراد سلعة أن يتولى شراءها بنفسه بعد التأكد من ملكية بائعها عليه، ثم يتصرف بسلعته يبيعها، ويقبض ثمنها، ويقضي بها حاجته، ويستقر ثمنها المؤجل في ذمته للذي باعها، ولا يجوز أن يبيع هذه السلعة إلى من باعها عليه؛ لأن هذه هي العينة، فينبغي أن يكون منا هذا التأكد وهذا النظر حتى تكون المبايعة صحيحة، وحتى تكون الفتاوى الصادرة منطبقة على هذا التصرف الصحيح.

وأما ما ذكره السائل فنبرأ إلى الله منه، ولا يمكن أن يتم تحت إشرافنا، وإذا تم ذلك من موظف جاهل لا يعرف فهو الذي يتحمل إثم هذا العمل مع العميل الذي يساعده على إتمام هذه العملية الصورية التي ليس لها علاقة بالتورق. والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015