الثالث: وعلى فرض صحة الاستدلال بفتوى الإمام أبي حنيفة، بناء على أن بلاد الغرب لهم حكم أهل الحرب، أو أن المراد بفتوى الإمام أبي حنيفة ما سوى دار الإسلام، فقد نُوزِع الإمام أبوحنيفة في هذه الفتوى، وإيضاحًا لذلك فقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:
القول الأول:
ذهب جمهور العلماء إلى عدم جواز الربا مطلقًا، لا مع حربي ولا مع غيره.
وحجتهم:
عموم النصوص التي تقتضي حرمة الربا، والتي لم تفرق بين دار ودار، ولا بين مسلم وحربي، والمسلم مخاطب بفروع الشريعة أينما كان، وإن كان الحربي لا يلتزم هذه الأحكام لكفره، فإن المسلم ملتزم بها لإسلامه (2) .
والقول بجواز الربا في تعامل المسلم مع غير المسلم وتحريمه في تعامله مع المسلم فيه مشابهة لحال اليهود الذين يحرمون الربا فيما بينهم ويبيحون أخذه من غيرهم، والله سبحانه قد نهانا عن التشبه بهم في أخلاقهم.
القول الثاني:
وذهب الإمام أبو حنيفة -رحمه الله- إلى إباحة الربا بين المسلم والحربي في دار الحرب (3) .
واحتج على ذلك بدليلين:
دليله الأول - ما روى مكحول، عن النبي صلى الله عليه وسلم, أنه قال: "لا رِبًا بينَ أَهْلِ الحَرْبِ- أظنه قال- وأهلِ الإسلامِ" (4) أخرجه أبو يوسف في الرد على سيرة الأوزاعي ص 97، وذكره عنه الشافعي في الأم 7/359.
ولكن نوقش هذا الاستدلال:
1- بأن الحديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به.
2- ولو صح فالمراد به النهي عن ذلك.
قال عنه النووي في المجموع: (مرسل ضعيف فلا حجة فيه، ولو صح لتأولناه على أن معناه لا يباح الربا في دار الحرب، جمعًا بين الأدلة) (5) .
وقال ابن قدامة: (مرسل لا نعرف صحته، ويحتمل أنه أراد النهي عن ذلك، ولا يجوز ترك ما ورد بتحريمه القرآن، وتظاهرت به السنة، وانعقد الإجماع على تحريمه بخبر مجهول لم يرو في صحيح ولا مسند ولا كتاب موثوق به، وهو مع ذلك مرسل محتمل) (6) .