فقد أجمع أهل العلم بأن وقت صلاة الفجر يدخل بطلوع الفجر الثاني، ويسمى الفجر الصادق؛ لأنه بيَّن وجه الصبح ووضَّحه، وعلامته بياض ينتشر في الأفق عرضاً، وقد حكى هذا الإجماع ابن قدامة في المغني (9/22) ، وغيرُه. وبناء عليه، فإنه لا يشرع تأخير الأذان للفجر؛ لأن الأذان شرع للإعلام بدخول الوقت، فيستحب المبادرة به، ولذا كان مؤذن النبي -صلى الله عليه وسلم- يبادر بالأذان للفجر فور دخول الوقت، كما ثبت ذلك في صحيح البخاري (617، 1919) ومسلم (1092) ، عن ابن عمر وعائشة - رضي الله عنهم- قالا: (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكثوم"، وكان رجلاً أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت، أصبحت) ، وكما يدل هذا الحديث على أن الأذان يكون بعد طلوع الفجر أو الصبح، فإنه يدل أيضاً على أن الصائم يجب عليه أن ينتهي عن الأكل والشرب بعد الأذان بدخول الوقت، وهو نص صريح في هذا، وعلى هذا عامة أهل العلم، وحكي إجماعاً، وحكى ابن قدامة في المغني (4/425) قولاً شاذاً في المسألة، وهو أن الفجر الذي يوجب الإمساك هو الذي يملأ البيوت والطرق، ثم حكى عن ابن عبد البر - رحمه الله- أنه علَّق على حديث ابن أم مكتوم- رضي الله عنه- بقوله: (فيه دليل على أن الخيط الأبيض هو الصباح، وأن السحور لا يكون إلا قبل الفجر، وهذا إجماع لم يخالف فيه إلا الأعمش وحده، فشذ ولم يعرِّج أحدٌ على قوله، والنهار الذي يجب صيامه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، هذا قول جماعة علماء المسلمين) ا. هـ.
وعلى هذا، فإن الصائم إذا لم يمسك عن الطعام والشراب إلا بعد طلوع الفجر بنصف ساعة أو أقل أو أكثر، فإن صيامه باطل ولو أخرَّ الأذان.
وما أشار إليه السائل من مذهب أبي حنيفة، فهو في تأخير صلاة الفجر إلى الإسفار، لا في تأخير السحور إلى ذلك الوقت. والله -تعالى- أعلم.