الاشتغال بالإعجاز العلمي في النصوص الشرعية

المجيب د. محمد بن إبراهيم دودح

باحث علمي في هيئة الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة

أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام

التاريخ 17/1/1425هـ

السؤال

هل يوجد دليل على مشروعية الاشتغال بمسألة الإعجاز العلمي في القرآن أو السنة النبوية الصحيحة؟ وهل نجد مثالا في عهد (خير القرون) على ذلك؟ لأن الموضوع بين الذين يؤيدونه بشكل مطلق والذين ينفونه بشكل مطلق أيضا ضاع عليهم الاحتكام إلى الشرع كما أمر بذلك العزيز الحكيم. وجزاكم الله خيرا ً.

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

لقد ادخر القرآن الكريم كثيراً من الآيات للأجيال في عبارات معلومة الألفاظ، لكن الكيفيات والحقائق لا تتجلى إلا حيناً بعد حين، يقول -تعالى-: "إن هو إلا ذكر للعالمين ولتعلمن نبأه بعد حين" [ص:87 - 88] ، وقد فسر الطبري معنى الحين بقوله: (فلا قول فيه أصح من أن يطلق كما أطلقه الله من غير حصر ذلك على وقت دون وقت) انظر تفسير الطبري (23/21) ، فلكل نبأ في القرآن زمن يتحقق فيه، فإذا تجلى الحديث ماثلاً للعيان أشرقت المعاني وتطابقت دلالات الألفاظ والتراكيب مع الحقائق، وهكذا تتجدد معجزة القرآن على طول الزمان، يقول العلي القدير: "وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل لكل نبأٍ مستقر وسوف تعلمون" [الأنعام: 66-67] ، ونقل ابن كثير عن ابن عباس - رضي الله عنهما- تفسيره للمستقر بقوله: "لكل نبأ حقيقة أي لكل خبر وقوع ولو بعد حين"، وقد تردد هذا الوعد كثيراً في القرآن الكريم بأساليب متعددة كما في قوله -تعالى-: "ثم إن علينا بيانه" [القيامة: 19] ، وقوله: "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق" [فصلت: 53] وقوله: "وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها" [النمل: 93] ، قال ابن حجر: (ومعجزة القرآن مستمرة إلى يوم القيامة وخرقه للعادة في أسلوبه وفي بلاغته وإخباره بالمغيبات فلا يمر عصر من العصور إلا ويظهر فيه شيء مما أخبر به أنه سيكون يدل على صحة دعواه) فتح الباري (9/7) ، قال محمد رشيد رضا: (ومن دلائل إعجاز القرآن أنه يبين الحقائق التي لم يكن يعرفها أحد من المخاطبين بها في زمن تنزيله بعبارة لا يتحيرون في فهمها والاستفادة منها مجملة وإن كان فهم ما وراءها من التفصيل الذي يعلمه ولا يعلمونه يتوقف على ترقي البشر في العلوم والفنون الخاصة بذلك) ، وقال جوهري: (أما قولك كيف عميت هذه الحقائق على كثير من أسلافنا؟، فاعلم أن الله هو الذي قال: "سأريكم آياتي فلا تستعجلون" [الأنبياء: 37] ، وقال: "وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها" [النمل: 93] ، إن الله لا يخلق الأمور إلا في أوقاتها المناسبة وهذا الزمان هو أنسب الأزمنة، والمدار على الفهم، والفهم في كل زمان بحسبه، وهذا زمان انكشاف بعض الحقائق) تفسير الجواهر (8/30-10/65) ، وفي قوله -تعالى-: "سأريكم آياتي فلا تستعجلون" [الأنبياء: 37] ، قال ابن عاشور: (وعد بأنهم سيرون آيات الله في نصر الدين) وهي كما قال الرازي: (أدلة التوحيد وصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم- ولذلك قال سبحانه: "فلا تستعجلون"، أي أنها ستأتي لا محالة في وقتها، واستعجال المنكرين يعني كما قال جوهري: (استبعاد ما جاء في هذه الآيات من الأمور العلمية التي أوضحها علماء العصر الحاضر، فهم يستبعدونها طبعاً لأنهم لا يعقلونها فقال الله تعالى لا تستبعدوا أيها الناس: "سأريكم آياتي فلا تستعجلون" [الأنبياء: 37] ، فإذا لم تفهمها أمم سابقة، سيعرفها من بعدهم، فقد ادخرنا هذه الأمور لأمم ستأتي؛ لتكون لهم آية علمية على صدقك فتكون الآيات دائماً متجددة، قال الرافعي: (والكلام في وجوه إعجاز القرآن واجب شرعاً وهو من فروض الكفاية، وقد تكلم فيه المفسرون والمتكلمون، فإن كان ذلك قد وفى حاجة تلك الأزمنة، فهو لا يفي بحاجة هذا الزمان إذ هي داعية إلى قول أجمع وبيان أوسع، وبرهان أنصع في أسلوب أجذب للقلب وأخلب للب، وأصغى للأسماع، وأدنى إلى الإقناع) (إعجاز القرآن ص20) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015