وقد تأملت أمثال هذه الأحاديث فلم أجد فيها طلب التحري والبحث عنها، بل الظاهر أنها إذا وقعت تبينت، وعرف حينها من كان على علم بما ورد فيها أن تلك هي التي حدث عنها النبي - صلى الله عليه وسلم -، لقد ورد في الدجال أحاديث في التحذير منه، ولكن ليس فيها تحري خروجه، والاجتهاد في تنزيل صفاته على أحد بعينه، بل الظاهر أنه إذا خرج تبين للمؤمن أنه الدجال، حتى قد ثبت في أكثر من حديث أنه مكتوب بين عينية كافر، يقرؤها كل مؤمن حتى لو كان أمياً لا يعرف القراءة انظر مثلاً ما رواه البخاري (7131) ، ومسلم (2933) ، من حديث أنس - رضي الله عنه-، مع أن هذا التحذير إنما ورد في الدجال، ولم يرد في غيره مثله، فلا ينبغي الاشتغال بمثل هذا التنزيل، فلربما شغل عما هو أهم.

ثالثاً: مما يبين خطأ التنزيل المشار إليه وخطورته أن السائلة حين نَّزلت حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الذي في مسلم (2896) على الواقع المعين وهو حالة العراق، واستنتجت شيئاً آخر هو احتلال الشام فأعقبها حزناً شديداً، ولم يكن بها حاجة إلى ذلك، إذ الجزم بهذا لا يستند إلى منهج صحيح دال عليه.

رابعاً: أن تنزيل مثل هذه الأحاديث إن ادعى أحد تحققه في هذا الزمن فقد وجد في الأزمان المتقدمة ما يشبه ذلك، وربما وجد من الناس من ظن تحقيق الحديث فيها ثم تبين بعد خلاف ذلك. وربما أتى أيضاً في أزمان لاحقة ما يظن تحقق الحديث فيه إلى أن تحقق تماماً، وانظري في شرح الحديث، فقد قال النووي (مسلم بشرح النووي 18/20) : وهذا قد وجد في زماننا في العراق وهو الآن موجود (والنووي قد توفي عام 676هـ) وقال القنوجي (من علماء القرن الماضي) في السراج الوهاج (11/368) بعدما نقل كلام النووي: وقد وجد ذلك كله في هذا الزمان الحاضر في العراق والشام ومصر واستولى الروم - يعني النصارى- على أكثر البلاد. أ. هـ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015