وإنما وقع الخلاف بينهم في تفسير قوله – تعالى-: " إني متوفيك " هل المقصود بالتوفي هنا الموت أم النوم كما قال – تعالى-: " الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها" [الزمر: 42] ، وكقوله – تعالى-: " وهو الذي يتوفاكم بالليل " [الأنعام:60] ، أم أن المقصود بالتوفي الاستيفاء بمعنى أن الله – عز وجل – رفعه وافياً تاماً من غير أن يُنال بشيءٍ من السوء المراد به، ومع كون القول الأول وهو تفسير وفاته بموته قولاً مرجوحاً، وأن القولين الآخرين أقوى منه وأرجح عند عامة المحققين من المفسرين وغيرهم، كابن جريرالطبري (جامع البيان: 6/458) ، والواحدي (الوجيز:1/213) ، وابن كثير (تفسير القرآن العظيم: 2/44) ، إلا أن تفسير الآية به لا يُناقض الإيمان بنزول عيسى – عليه السلام – آخر الزمان في زمن المهدي وقتاله وقتله الدجال، فالله على كل شيء قدير وما إحياؤه وإنزاله إلى الأرض بعد هذه الأزمنة البعيدة بأغرب ولا أعجب من إبقائه حياً إلى زمن نزوله!! فلا علاقة بين تفسير الآية بأي واحدٍ من الأقوال السابقة والإيمان بنزول عيسى – عليه السلام – في آخر الزمان، فقد دل على نزول عيسى – عليه السلام – ثلاث آيات في كتاب الله – تعالى – الأولى: قوله – تعالى- كما في الآيات السابقة: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً" [النساء:159] ، ومعنى الآية: وما من أحد من أهل الكتاب – اليهود والنصارى – إلا سيؤمن قطعاً وجزماً بعيسى نبياً ورسولاً قبل موت عيسى – عليه السلام – ويوم القيامة يكون شاهداً عليهم أنه قد بَلَّغ الرسالة وأقر بالعبودية على نفسه.